لولا الملامة

كثيرة هي الأغاني التي تتجاوز تقدم الزمن واختلاف الأجيال، منها أغنية وردة الجزائرية (لولا الملامة)، والتي أعادت غناءها إليسا.

وفي توقيت مثالي، صدع صوت إليسا: “لولا الملامة يا هوى لولا الملامة، لفرش جناحي عالهوى زي اليمامة” بينما كنت أتحدث مع صديقتي عن حرية المرأة العربية.

أتت الأغنية مؤيدةً لوجهة نظري بأن حرية المرأة في عصرنا تبقى محدودة على الرغم من الشعارات الكبيرة والقوانين العظيمة، وخاصة حرية التصرف بقلبها مما يجعل مثل هذه الأغاني محطة إعجاب المستمعات.

إن حالة المرأة تختلف من مجتمع لآخر، لذا لن أتحدث عن مجتمع بحد عينه وإنما سأتحدث عن الفجوة بين قوانين الدول العربية وواقع مجتمعاتها. ففي العديد من الأحيان يكون للعرف والعادات والتقاليد حكم أقوى بكثير من قانون الدولة ودستورها.

فحتى وإن منح القانون والدولة المرأة الحق في الزواج بمن تحب، نبذها المجتمع وحراس المذهب، لذا يصعب تطبيق مناهج الحركات النسائية المستوردة من المجتمعات الغربية دون أن نلاحظ مثل هذه الفجوة التي تحدد نجاح هذه الحركات.

إن التغيير لا يبدأ من الدولة أو من القانون بقدر ما يبدأ من الأشخاص والأفراد، وبالذات مثل هذا التغيير الذي يجب أن يبدأ من النساء أنفسهن، يجب أن يرغبن في فرد أجنحتهن على الهوى كاليمامة ويقمن بالشروع في هذا وتطبيقه، وإن أحببن رجلاً فعليهن المحاولة بكل الطرق أن تكون نهاية هذا الحب سعيدة وليست هرباً أو جراحاً.

أنا لا أؤيد قيام المرأة بما تريد في الخفاء كي ترضي المجتمع عنها واسميه هروباً من الواقع ومواجهته، وعوضاً عن ذلك فإني أؤيد أن تتمتع المرأة منّا بالقوة الكافية كي تدافع عن أفعالها ورغباتها ومن تريد أن تكون، فهذه ليست وظيفة أي شخص آخر سوانا نحن النساء!

قال نزار قباني في مقدمة ديوانه «يوميات امرأة لا مبالية»: “لماذا تصمتن أيتها النساء؟ لماذا أكل القط ألسنتكم؟ لماذا تنتظرن من يأخذ بثأركن ولا تأخذن ثأركن بأنفسكن؟”  وأنا أؤيد كلامه وأشدد عليه لأننا نقضي جل وقتنا في تخيل الحياة كما نريدها أن تكون لولا الملامة.

لماذا نخاف من الملامة؟ لماذا نضع لها كل هذا الاعتبار سواء كنا نساءً أو رجالاً؟ لماذا نخافها أكثر مما نخاف سخط أنفسنا علينا؟ وما دخل الناس وملامتهم؟ كيف سينفعنا إرضاء الناس إن كنا نعيش في بؤس وشقاء؟ وهل نستطيع لومهم حينها؟ ففي النهاية القرار قرارنا ونحن من اخترنا أن نخشى الناس ونخاف لومهم.

للأسف جميعنا يحفظ القول المعروف “إرضاء الناس غاية لا تدرك” ومع ذلك نحاول جاهدين إرضائهم، ونخاف كل الخوف من ملامتهم ولومهم فأي تناقض هو هذا الذي نعيشه؟ وكيف نواجه أنفسنا أو نحبها ونحن نبجل إرضاء الناس عليها؟

يجدر بنا إذن أن نتخذ موقفاً من هذه الأغنية، ونفرد أجنحتنا اليوم قبل الغد على الهوى وكل ما نريد ونشتهي بحدود نحن اللذين نرسمها لا الناس، ونحلق بعيداً نحو أهدافنا ورؤانا الخاصة والفريدة.

كم منا تمنى أن يقوم بفعل الكثير، ولكنه توقف بسبب الخوف من ملامة الناس ولومهم؟ لذا أسألكم جميعاً وأسأل نفسي: هل كان ذلك سبباً كافياً؟ هل يستحق الناس فعلاً أن نخاف لومهم؟

أحدث التعليقات