لماذا كتاب «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق» لإدوارد سعيد؟

الصفحة الرئيسية  /  مراجعات  /  أبجديات نقد الاستشراق  /  لماذا كتاب «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق» لإدوارد سعيد؟

سنة 2012. الجامعة الأمريكية في الشارقة. مادة (الفلسفة الإسلامية). طلب منّا الأستاذ اختيار موضوع للبحث، فاخترت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بدأت بدراسة المراجع العربية نظراً لأهميتها كمراجع أولية قبل أن ينصحني الأستاذ بالاستعانة بكتاب “ميشال كوك” بعنوان (Commanding Right and Forbidding Wrong in Islamic Thought) والذي نشرته مطبعة جامعة كامبرديج سنة 2000 في كامبريدج.

استوقفني عنوان الكتاب، والذي يمكن ترجمته إلى (الأمر بالحق والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي). وستلاحظون أنني اخترت “الحق” ترجمةً لكلمة (right) عوضاً عن الترجمات السائدة من قبيل “الصواب” أو “الصحيح” وذلك رغبة مني في الالتزام بالمصطلحات القرآنية والتي لا تتضمن الترجمات السائدة. ومع ذلك، يبقى “الحق” و “الصواب” والصحيح” بعيدين كل البعد عن “المعروف”، وهذا ما كتبت عنه في بحثي في نهاية المطاف.

يستحيل إنكار أن “المعروف” من المصطلحات الفريدة التي يصعب إيجاد مقابل لها في اللغات اللاتينية بصورة عامة وفي اللغة الإنجليزية بصورة خاصة، إلا أن هذه الصعوبة لا تقربّها من معنى “الحق” والذي أجده بعيد كل البعد عن المعنى الأصلي. “فالحق” يبقى ثابتاً مهما اختلف الزمان والمكان وهو أمر معاكس تماماً لمعنى “المعروف”، وهو مبدأ إنساني يتسع لاختلاف الزمان والمكان والتنوع البشري. لهذا السبب، فإن النسخ الإنجليزية الحديثة للقرآن الكريم (سواء سميناها ترجمة أو تفسير) تتفادى هذه الكلمة وتستبدلها بخيارات أخرى مختلفة.

أدركت بعد هذه التجربة أهمية دراسة المراجع باللغة الأصلية التي كُتبت بها وعدم الاعتماد على الوسيط الذي قد لا تعكس وجهة نظره حقيقة المعنى في لغته وبيئته الأصلية، وهذا بدوره كان مدخلي لعالم نقد الاستشراق.

هل يمكن تسمية ميشال كوك بالمستشرق بالمعنى الذي طرحه إدوارد سعيد؟ ربما. لكن الأهم هو أن ندرك نحن المنتمون لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن هنالك العديد من المعاني التي تضيع في المنتصف أثناء كتابة “الآخر” عنّا وعن تاريخنا، وذلك قد يكون بقصد أو بدون قصد. لذا علينا أن نعيها وندركها حتى لا تؤثر علينا وعلى منظورنا لأنفسنا ولواقعنا وتاريخنا وخاصة أننا نعيش في زمن نعتمد فيه بصورة كبيرة على المواد العلمية والإعلامية الغربية.

في مقدمة النسخة العربية لكتاب «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق» التي ترجمها محمد العناني ونشرتها رؤية للنشر والتوزيع في القاهرة سنة 2006، يقول إدوارد سعيد: “معظم رصيدي الشخصي الذي أستثمره في هذه الرسالة [كتاب «الاستشراق»] مستمد من وعيي بأنني “شرقي” باعتبار أنني نشأت طفلاً في مستعمرتين بريطانيتين، أما تعليمي، في هاتين المستعمرتين (فلسطين ومصر) وفي الولايات المتحدة، فقد كان كله غربياً، ومع ذلك فإن ذلك الوعي المبكر العميق ظل قائماً. ولقد كانت دراستي للاستشراق، من عدة زوايا، محاولة لإعداد قائمة بالآثار التي خلفتها في نفسي، باعتباري ذاتاً شرقية، تلك الثقافات التي كانت سيطرتها عاملاً قوياً في حياة جميع الشرقيين.” (ص. 76) بمعنى آخر، قد كتب إدوارد سعيد هذا الكتاب لمن هم مثله من “الشرقيين” الذين يعيشون تحت سيطرة الثقافات المستعمِرة ويحتاجون هذا اللقاح ضد الاستشراق حتى يصيروا واعين لهذا الاختلاف على جميع المستويات.

أعتقد أن هذا اللقاح ضروري جداً وخاصة للأجيال المقبلة التي لا تزال تكون آرائها وأفكارها عن الحياة والواقع. وبالطبع مفهوم الاستشراق في حد ذاته معقد جداً لفئة اليافعين والأطفال، إلا أن الفكرة خلف هذا المفهوم يمكن شرحها بصورة مبسطة بالكيفية التالية: “توجد في هذا العالم شعوب وثقافات عديدة تتميز كل منها بلغة مختلفة عن الأخرى، وفي داخل كل شعب تسود مجموعة من التعميمات والأفكار التي وُجدت لحماية مصالح هذا الشعب. لكل شعب حقه المستحق للتفكير بالصورة التي تناسبه أو تناسب مصالحه، ومن المهم أن ندرك ذلك أثناء اطّلاعنا على أعمال الشعوب الأخرى في مجالات الحياة المختلفة. فأياً من هذه الأفكار ليست صحيحة بالضرورة”.

لكن لماذا هذه الفئة بالذات؟ لماذا لا ننتظر حتى يصبحوا من البالغين ويطلعوا بأنفسهم على كتاب سعيد؟

إن أغلب ما يصل لأطفالنا اليوم من خلال القنوات الفضائية المُختلفة هو منتوج دول أخرى سواء كانت من قارة أوروبا أو أمريكا أو اليابان، وهذه المسلسلات والأفلام الكرتونية لا تخلو من التعميمات والأفكار السلبية عن دول المنطقة، وبالتالي ستكون خللاً في كيفية رؤيتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم.

في سنة 1992، قامت شركة والت ديزني بإنتاج فلم (علاء الدين) الذي أصبح لاحقاً أحد أكثر الأفلام المصورة نجاحاً في تاريخ السينما. وقد تم تسويقه على أنه مقتبس من إحدى القصص الواردة في كتاب «ألف ليلة وليلة»، إلا أن القصة لا علاقة لها بالشرق الأوسط، وإنما تبدأ أحداثها في الصين وقد تم إضافتها للكتاب من قبل المستشرق الفرنسي إنتوني جالاند (Surprising Facts about Aladdin and the Arabian Nights, 2013) في القرن الثامن عشر عندما قام بترجمة الكتاب من العربية إلى الفرنسية، لذا عندما قام المستشرق الإنجليزي ريتشارد فرانسيس برتون لاحقاً بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية، لم يضم قصة “علاء الدين” لبقية القصص، وإنما أضافها إلى المجلدات الإضافية للكتاب. (Fang, 2011)

لم تطل المغالطات أصل القصة فقط، وإنما نالت نصيبها من الفيلم ذاته الذي كان مفخخاً بالتعميمات والتصورات غير الواقعية عن الشرق، إذ نجد أن هذا الفيلم الكرتوني الموجه للأطفال يصور قاطعاً لأيدي الفتيات الفقيرات “المحتاجات بمهارة وبسيف معقوف ووزيراً يحز الرقاب بتلذذ” (Fox, 1993)، وأشراراً يتحدثون الإنجليزية بلكنة عربية في حين أن الشخصيات الطيبة تتحدث الإنجليزية بطلاقة، ولا ننسى طبعاً أغنية الفيلم التي أثارت ضجة كبيرة أدت إلى اعتراض (لجنة مناهضة التمييز الأمريكية العربية) في سنة 1993 والتي بعدما اجتمع ممثلوها مع ديك كوك (مسؤول التوزيع في شركة ديزني آنذاك) قامت الشركة بتغير كلمات الأغنية، إذ كانت كلماتها الأصلية:

“جئت من أرض

من مكان بعيد

حيث تجوب قوافل الجمال.

من مكان يقطعون فيه أذنيك،

إن لم يعجبهم وجهك،

هذه بربرية، إلا أنه وطننا”

وأصبحت:

“جئت من أرض

من مكان بعيد

حيث تجوب قوافل الجمال.

من أرض بطحاء وواسعة،

وحرارتها شديدة،

هذه بربرية، إلا أنه وطننا”

لم تكن اللجنة راضية عن هذه التغيرات وأصرت على أن يتم تغير السطر الأخير وإزالة كلمة “بربرية”، ولم يحصل ذلك إذ تحجج مسؤول التوزيع “بأن كلمة “بربرية” لا تعود على الأشخاص وإنما على الأرض وحرارة الطقس.” (Fox, 1993)

بين الأكاديمي المقيد بمحدودية اللغة وما سبقه إليه غيره من الباحثين والمستشرقين والإعلامي الذي لا تهمه كثيراً الصورة الصحيحة أو حتى الإنسانية عن “الآخر”، نجد أنفسنا كعرب ومسلمين في مأزق كبير بين الفقر الشديد الذي تعاني منه مؤسساتنا العربية وبين التعميمات والمغالطات التي يحملها ما أنتجه “الآخر” عنّا. لذا وحتى تقف مؤسساتنا على قدميها، يتوجب علينا على الأقل أخذ الحيطة والحذر من تصور “الآخر” الذي كونه عنّا وعن تاريخنا وثقافتنا، وطبعاً قراءة كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق».

ودمتم على وعي!

المراجع:

Fang, D. (2011). “Your Wish Is My Command” and Other Fictions: Reluctant Possessions in Richard Burton’s “aladdin” (Thesis). Nashville: Vanderbilt University.

Fox, D. J. (1993, 7 10). Disney Will Alter Song in ‘Aladdin’ : Movies: Changes were agreed upon after Arab-Americans complained that some lyrics were racist. Some Arab groups are not satisfied. Retrieved 3 7, 2017, from Los Angeles Times.

Surprising Facts about Aladdin and the Arabian Nights. (2013, 1 30). Retrieved 3 7, 2017, from Interesting Literature .

أحدث التعليقات