صراع الأجيال في فيلم «جولي وجوليا»

الصفحة الرئيسية  /  مراجعات  /  أفلام تحت المجهر  /  صراع الأجيال في فيلم «جولي وجوليا»

شمس صيفية معتدلة تنشر نورها الهادئ، ونغمات موسيقى فرنسية تزيد من رومانسية الأجواء الباريسية التي تعيشها جوليا تشايلد (والتي تؤدي دورها ميريل ستريب) وهي تستمتع بالطعام الفرنسي الشهي وتحاول تحدث الفرنسية مع العاملين في منزلها الشاسع في أربعينات القرن الماضي. بهذه اللقطات السعيدة والمثالية، يبدأ فيلم «جولي وجوليا» (Julie & Julia) للمخرجة وكاتبة السيناريو نورا إيفرون، والصادر باللغة الإنجليزية في السابع من أغسطس سنة 2009 في دور العرض الأمريكية.

ينتقل الفيلم بعدها إلى عام 2002، وإلى كتاب «إتقان فن الطبخ الفرنسي» لجوليا تشايلد القابع بين كتب الشابة جولي باول (والتي تؤدي دورها آمي آدمز) وهي تجمعه مع بقية أغراضها قبل أن تنتقل مع زوجها إلى حي كوينز في مدينة نيويورك.

في منزلهما الصغير والمتواضع، تضطر جولي إلى مواجهة واقعها المرير: مشاريع كتابة غير مكتملة، وظيفة سكرتارية رتيبة وكئيبة، وأحلام كثيرة في مهب الريح مما دفعها إلى دخول أكبر تحدٍ في حياتها: طهي 524 وصفة في 365 يوماً. راودتها الفكرة بعد اجتماعها بصديقاتها الناجحات في حياتهن المهنية مقارنة بوضعها البائس، فقررت أن تجعل لحياتها معنى عبر مدونتها: مشروع جولي/جوليا (The Julie/Julia Project) والتي تروي تجربتها في طهي جميع الوصفات الواردة في كتاب جوليا في سنة واحدة.

وبينما تناضل جولي كي تلتزم بمشروعها وسط جدولها المزدحم بالارتباطات والالتزامات، تجرّب جوليا هوايات مختلقة كي تقتل الفراغ. بين تصميم القبّعات ولعب البريدج، تنظم أخيراً إلى مدرسة «لو كوردون بلو» (Le Cordon Bleu) الرائدة في فنون الطهي وإدارة الضيافة.

كلتا البطلتان تخوضا رحلتين نحو إتقان فن الطبخ الفرنسي والكتابة عنه، وتمرّان بظروف متشابهة، فكلتاهما انتقلتا إلى منطقة جديدة، بدون أطفال، ومتزوجة بزوج محب ومخلص. وبذلك، يندرج فيلم «جولي وجوليا» ضمن سرد الرحلة الثنائي (Double journey narrative)، وهي الأفلام التي تتضمن بطلين مهمين يسافران نحو أو بعيداً عن بعضهما، أو كل منهما في رحلته الخاصة بالتوازي مع الآخر بينما يجمع بينهما المكان، العاطفة، أو كلاهما. ونظراً لتفرد كلٌ منهما في رحلته، يتضمن هذا النوع من الأفلام حبكتين: واحدة لكل رحلة، وقد تحتوي أيضاً على حبكة مشتركة. (موقع ليندا أرونسون)

 

بالنسبة لهذا الفيلم، يفصل بين القصتين المكان والزمان، وتجمع بينهما العاطفة، فبعد أن كانت البطلتان ضائعتين وجدتا المعنى في فن تحضير الطعام. وعلى الرغم من أن كلاً منهما تخوض رحلتها الخاصة: جولي نحو إكمال المشروع وإطلاق العنان لقلمها على الرغم من جميع التزاماتها، وجوليا نحو إتقان فن الطهي الفرنسي، تتقاطع الحبكتين منتجة حبكة ثالثة عندما تأمل جولي أن تقابل جوليا، وتعبر عن ذلك في الدقيقة الـ 30 من الفيلم عندما تسألها صديقتها:

  • أتظنين أن جوليا تعلم بالمشروع؟

فتجيب:

  • أتمنى. أتخيلها وقد أتت لتناول العشاء، فأريها قشّارة الليمون الجديدة.

بعد مرور ما يقارب ساعة ونصف من الفيلم، تحصل جولي على الإجابة التي لم تتوقعها. فبعد الشهرة التي حققتها مدونتها واهتمام الصحافة بها، يتصل بها الصحافي باري راين من صحيفة «سانتا برباره» (Santa Bárbara) والذي بصدد الكتابة عن عيد ميلاد جوليا التسعين ليسألها عن رأيها فيما قالته جوليا عن مدونتها، والتي أبدت انزعاجها منها ووصفتها بأنها غير محترمة أو جدّية (إيفرون، 2009).

لكن وعلى الرغم من تأثر جولي بهذا الرأي، ينتهي الفيلم بمشهد يجمع بين البطلتين متحدياً قوانين الفيزياء. فبعد مرور جولي بمطبخ جوليا شايلد المعروض في متحف السميثونيان (Smithsonian) آنذاك، تُبعث الحياة في المطبخ بعد أن تعود المخرجة بالزمن إلى تاريخ نشر  المجلد الأول من  كتاب «إتقان فن الطبخ الفرنسي»  في سنة 1961 وتصور فرحة جوليا باستلامها المجلد.

ينتهي الفيلم بعد 123 دقيقة، ولا ينتهي الصراع بين الأجيال الذي يعبّر عنه، فعند المقارنة بين المشاهد التي تصور حياة جولي وجوليا، يبدو هذا الصراع واضحاً وخاصة أن الحبكة الكلية للفيلم تقود إليه. ويُمكن تحليل هذا الصراع عبر الإجابة على سؤال واحد: لماذا لم تُعجب جوليا بمشروع جولي؟

عاشت جوليا في زمن مختلف، ومن الصعب عليها أن تتجاوز المعايير والمثاليات العالية التي التزمت بها وتُطري على مدونة يُمكن لأي شخص أن يكتبها من بيته دون أي عناء. لكن الذي لم تدركه جوليا أن الزمن قد تغير، ومسؤوليات المرأة تغيرت معه، فبينما استمتعت هي بحياة رغيدة لم تضطر فيها إلى العمل، أُجبرت جولي على العمل في وظيفة تكرهها وعاشت ضغطاً نفسياً كبيراً إذ تصور العديد من المشاهد انهيارها وتوترها في حين نجد أن حياة جوليا كانت شبه مثالية وكأن أكبر عائق واجهها هو تقطيع البصل بسرعة الطهاة المحترفين.

تأييداً لذلك ووفقاً لمصوّر الفيلم ستيفين جولدبلات، تعكس مشاهد جولي على الشمس الأمريكية القوية والجريئة والألوان المتباينة مما يعكس الجدية والالتزام والتوتر، بينما تعكس قصة جوليا على درجات الباستيل وأشعة الشمس الباريسية الناعمة والغائمة التي ترمز إلى الرفاهة والرخاء (أوبنهيمر، 2009)، وبذلك يتخطى الفيلم فن الطعام وسيرة حياة جوليا تشايلد، ليوصل إلى المُشاهد رسالة أوسع وأعظم تدعو إلى الاحتفاء بجميع الإنجازات التي تحققها النساء في كل زمان ومكان.

المراجع:

Aronson, L. (n.d.). The six sorts of parallel narrative. Retrieved from Linda Aronson: https://www.lindaaronson.com/six-types-of-parallel-narrative.html

Ephron, N. (Director). (2009). Julie & Julia [Motion Picture].

Oppenheimer, J. (2009, August). Julie & Julia, shot by Stephen Goldblatt, ASC, BSC, illustrates how the legendary Julia Child impacted the life of an acolyte. Retrieved from The American Society of Cinematographers: https://theasc.com/ac_magazine/August2009/JulieJulia/page1.html

 

أحدث التعليقات