الصفحة الرئيسية / مراجعات / خمسون حكمة حول العالم / الحكمة (14): «عزيزتي هاجر أو مانيفستو نسوي بخمسة عشر مقترحا» لتشيماماندا نغوزي أديتشي
أن تتساءل حول اللغة. فاللغة هي مخزن التعصب والاعتقادات والافتراضات، كمناداة الفتاة الصغيرة بـ”أميرة” في انتظار أمير مُنقذ.
كما نصحتها بأن لا تعطي أهمية لإعجاب الآخرين بها، بل تحقيق ذاتها، ذاتها الصادقة والواعية للمساواة البشرية مع الآخرين، وجزء من هذه الذات هو هويتها النيجيرية، وأن تكبر لتكون امرأة فخورة من الإيغبو وبأن تُظهر الجانب الجميل الثقافي لهذا الانتماء، وترفض الجانب المسيء.
وأخيراً، شددت أديتشي على أهمية الاختلاف، وأنه أمرُ طبيعي وهو حقيقة عالمنا، وعلى صديقتها أن تُخبر ابنتها أن “بعض الأشخاص يذهبون إلى المسجد، والبعض الآخر إلى الكنيسة، ويذهب غيرهم إلى دور عبادة مختلفة، وآخرين لا يتعبّدون على الإطلاق، لا لسبب آخر سوى أن هذه هي طريقة حياتهم وحسب.” (ص. 93)
ذكرتني المقترحات الخمسة عشر بتجربتي في أثناء الحمل؛ فبينما كنت أنتظر معرفة جنس مولودي المُرتقب، جزء صغير مني تمنى أن يكون ولداً. تمنيت ذلك على مضض، ولست فخورة بأمنيتي هذه، غير أن السبب الحقيقي وراءها ليس تفريقاً بين الذكر والأنثى، وإنما خوفاً على هذا المولود من أن يكون فتاة، فتعاني كما عانيت. فتعاني من القوالب الجاهزة التي قد لا تنطبق عليها، ولأنها ستكون ابنتي، فلن تطبق عليها بالتأكيد، لأنها ستكون حركية وعالية الصوت وقوية ومستقلة ككل نساء عائلتنا.
اليوم، وبعد بلوغ الثلاثين من العمر، وإدراكي لما كُنت أجهله، ندمت أشد الندم على أمنيتي. بل وعلى العكس، أتمنى لو أُرزق بابنة، وأربيها على أن تكون حرة وصادقة مع نفسها. ألا تستسلم لمعتقدات المجتمع الظالمة، ولا تهتم برأي الآخرين عنها طالما هي مقتنعة بأفعالها وملتزمة بمبادئها. وقبل ذلك، سأبدأ بابني، وسأعلمه أن المرأة كالرجل في بشريتها، وألا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
كما أدركت أنني لا أستطيع أن أكون نسوية حقة وأنا أحاسب نفسي بمقاييس المُجتمع، وأنتظر منها أن تكون كاملة في كل شيء. أتقبل جسدي كما هو دون أي شروط، وعلى حاله الآن في الوقت الراهن، وليس بعد خسارة الوزن أو غيرها من قائمة الشروط الطويلة واللا منتهية. لقد شاء الله -عز وجل- أن يخلقني أنثى بهذه المواصفات، ولأنه فعل ذلك، فأنا بالضرورة جميلة كما خلقني، لأن خالقي الجميل مُتقن لكل ما يفعل ورائع في كل خلقه.
عزيزاتي، حبيباتي، متابعاتي، أينما حللتن، أنتن كاملات كما أنتن. الآن في هذه اللحظة بالذات ودون أي مساحيق أو تعديلات. جمالكن كامن في كل تفاصيلكن الصغيرة والكبيرة. في خجلكن أو اندفاعكن الجميل. في طولكن أو قصركن ومهما اختلفت أشكالكن. فلتحببن أنفسكن أولاً والبقية سوف تأتي لاحقاً.
الحكمة من الكتاب:
تتمثل الحكمة من كتاب «عزيزتي هاجر أو مانيفستو نسوي بخمسة عشر مقترحا» في الأداة النسوية الأولى التي ذكرتها تشيماماندا نغوزي أديتشي في بداية الكتاب وهي: “المبدأ، وهو الاعتقاد المتين الذي لا ينثني ويجب أن نبدأ به؟ ما هو مبدأك؟ إنّ مبدأك النسويّ يجب أن يكون: أنا مُهمة، ولي تقديري كما للآخرين بالتساوي، دون اشتراطات من قَبيل “لو فقط” أو “طالما أنّ”. أنا مهمة كالآخرين بالتساوي. نقطة انتهى.” (ص. 11-12)
اقتباسات من الكتاب:
“يُبدي الجميع دائماً رأيهم حول الطريقة التي يجب أن تتصرفي بها، لكن ما يهم هو ما تريدينه أنتِ لنفسكِ، وليس ما يريده الآخرون لكِ.” (ص. 17)
“عندما نقول أن الآباء “يساعدون” فهذا يوحي بأن الاعتناء بالأطفال هي منطقة خاصة بالأمهات فقط، وكأن مساعدة الآباء تُعتبر مجازفة وبسالة منهم. الأمر ليس كذلك. هل تتخيّلين حجم السّعادة والاستقرار والإنجاز الذي كان سيعيشه ويحقّقه بعض الأشخاص لو كان فقط لآبائهم حضور فعّال في طفولتهم؟” (ص. 23)
“علم الطهي ليس مثبتاً مسبقاً في المهبل. إن الطهي هو مهارة تكتسب بالتعلم – الأعمال المنزلية بشكل عام – هي مهارات حياتيّة يجب على الرجال والنساء الإلمام بها بشكل جيّد.” (ص. 26)
“ألعاب الصبيان في مُجملها ألعاب تفاعلية، تتضمن القيام بنشاط ما – القطارات والسيارات مثلاً – أمّا ألعاب الفتيات فهي في مجملها ألعاب لا تتطلب نشاطاً، والأغلبية الساحقة منها مجرّد دُمى! لقد صدمني ذلك. لم أكن أعي كيف أن المُجتمع يبدأ، من سن مبكرة جداً، في اختراع أفكار حول ما الذي يجب أن يكون الصبي عليه، وما الذي يجب أن تكون الفتاة عليه. تمنيت لو صنفت تلك الألعاب بناءً على نوعها، لا بناءً على جنس لاعبها!” (ص. 28-29)
“الآباء والأمهات يقومون بشكل لا إرادي بتعليم الفتيات كيف يتصرفن ومنذ سن مبكرة، وكيف أن الطفلة تُعطى مساحة أقل وقوانين أكثر من الصبيان الذين يحظون بمساحة أكبر وقوانين أقل.” (ص. 31)
“الزوج ليس ناظر مدرسة. والزوجة ليست فتاة في مدرسة كي تُعطى الإذن أو يُسمح لها بفعل أمر تُريده. لغة السماح تلك التي تُستخدم من طرف واحد – وتقريباً لا تُستخدم إلا بتلك الطريقة – لا يجب أن تكون لغة مُستخدمة في الحياة الزوجية المُشتركة.” (ص. 35)
“عالمنا مليء بالرجال والنساء الذين لا تعجبهم المرأة القوية. لقد نشأنا على فكرة أن القوة أمر خاص بالرجال، وأن المرأة القوية هي المنحرفة.” (ص. 37)
“إن لم تذهب إلى المدرسة واكتفيت بقراءة الكتب، ستكون – كما يزعمون – أكثر معرفة من طفل تلقى تعليماً تقليدياً. الكتب ستساعدها على فهم العالم وطرح الأسئلة حوله، ستساعدها على التعبير عن نفسها، وعلى معرفة الذي تود أن تصبحه عندما تكبر.” (ص. 40)
” النسوية والأنوثة لا يتعارضان. والإشارة إلى هذا الأمر تُعتبر معاداة للمرأة. يا له من أمر محزن أن المرأة قد تعلمت أن تخجل وأن تبرر الأمور الأنثوية التقليدية كالأزياء ومساحيق التجميل مثلاً. لكن المجتمع لا يتوقع من الرجل أن يخجل من الأمور التي تُعتبر بشكل عام أموراً ذكورية – السيارات الرياضية، وبعض الرياضات الاحترافية. وبالطريقة نفسها إن اهتم الرجل بشكله وتزين فأنه يصبح رجلاً أنيقاً وحسب، دون أن تشكل أية أهمية له أن يواجه توقعات معينة قد تشكك في ذكائه وقدراته أو جديته بسبب تلك الأناقة.” (ص. 65)
“القواعد الاجتماعية هي من صنع البشر، ولا توجد قاعدة اجتماعية يستحيل تغييرها.” (ص. 73)
“لماذا رُبينا على أن نتحدث بصوت منخفض عندما يتعلق الأمر بالدورة الشهرية؟ ويملؤنا العار إن حدث وتلوثت تنانيرنا بدم الحيض؟ إن الدورة الشهرية أمر لا يجلب العار. الدورة الشهرية هي أمر اعتيادي وطبيعي، والجنس البشري لن يكون له وجود لولا تلك الدورات الشهرية!” (ص. 79)
“الحب هو ليس أن تعطي فقط، بل وأن تأخذ كذلك.” (ص. 82)
“أليس الغريب أن السائد في معظم المجتمعات في العالم الآن، هو أن النساء لا يُمكن لهن أن يتقدمن بطلب الزواج؟ الزواج يُعتبر خطوة مهمة في حياتكِ، لكنكِ حتى الآن لا تستطيعين أن تكوني مسؤولة عنها، لأن ذلك يعتمد على الرجل، هو الذي يجب عليه أن يتخذ الخطوة ويطلب منك الزواج.” (ص. 84)
الختام:
لمن يبحث عن كتاب صغير وموجز عن النسوية في أبسط حالتها عليه أن يقرأ كتاب «عزيزتي هاجر أو مانيفستو نسوي بخمسة عشر مقترحا» لتشيماماندا نغوزي أديتشي، إذ توفر نظرتها الشاملة والعميقة دروساً عديدة علينا جميعا، نساءً ورجالاً، أن نفهمها ونتبنّاها في حياتنا اليومية. كتاب صغير، مُفيد، وممتع.
أحدث التعليقات