الحكمة (19): «كن أنت: رحلة البحث عن ذاتك الكونية» لإيهاب حمارنة

أقف اليوم في محطتي التاسعة عشرة: الأردن برفقة كتاب «كن أنت: رحلة البحث عن ذاتك الكونية» للدكتور إيهاب حمارنة. نشر طبعته الأولى دار نشر ملهمون سنة 2021 في دبي، وقد اختفت من أسواق الإمارات العربية المتحدة في أقل من شهر.

بينما كنتً أخوض رحلتي مع هذا الكتاب العظيم، راودتني تساؤلات كثيرة، أهمّها لماذا كل هذه الصعوبة والمعوقات في أن أكون كما أنا؟ في أن أعرف حقيقتي وأعيش وفقاً لها رغم ثقتي في أنني إذا ما فعلت ذلك، فسأصل للسعادة التي طالما تمنيتها. ما الذي يمنعني؟ ولماذا أفسح المجال لهذا الوسواس القاتل بأن يتمكن مني ويقنعني مرة تلوى الأخرى أنني لا أكفي وأن علي أن أخفي من أنا كي أجد الحب والقبول، هذا وأنا لا أهتم أصلاً بآراء الناس (أو هكذا يخيّل إلي).

كم هو صعب أن أخرج ذاتي الدفينة. ذاتي المغمورة في 30 سنة من القمع. 30 سنة تخللها الكثير من: “وطي صوتك”، “لا تضحكي بصوت عالٍ”، “على المرأة ألا تبادر، بل تنتظر أن يأتيها ما تريده” (ممن؟ وكيف؟ الله وحده يعلم!)، “احذفي هذا المنشور فوراً”… وطبعاً تتمادى التعليقات و”النصائح” لتشمل الأمور التي لا أتحكم فيها أصلاً (هذا في حال اتفقنا أن ما سبق وذكرته بوسعي التحكم فيه من الأساس!)، فتجد تعليقات من نوع: “المرأة التي يزيد طولها عن XY تفقد الأنوثة” و “مقاس XY ليس للنساء”.. يعني بجاه الله ماذا أفعل بنفسي؟

في السنين الأخيرة وصلت لمرحلة كرهتُ فيها الخروج من المنزل. كنتُ لا أرغب في أن ألتقي بأي شخص. أردت أن أحبس هذه الكومة من “غير المقبول” و “المرفوض” في أركان المنزل المظلمة حتى لا يراها أحد فيعلقّ عليها ولو حتى بنظرة.

وصلت لمرحلة لا أتحمل فيها حتى النظر في المرآة. حالة نكران للذات كاملة ومتكاملة. هل هو اكتئاب؟ ربّما. لكن الأكيد، أنه كان اختناق بأحكام المجتمع الظالمة. أحكام مجتمعات غارقة في الجهل ونبذ الآخر والتحكم في كل تفاصيله (حتى في أفكاره).

في سنة 2019 بدأت بوادر الانفجار في تدريب لإعداد وتأهيل مدراء ومقدمي الجلسات ضمن التحضير لمهرجان طيران الإمارات للآداب، وإذا بالمدربة تنصحنا نصيحة قيّمة، وهي: أن نجد أصواتنا. كم هي غالية هذه النصيحة. فبها اكتشفت أنني قد أضعت صوتي. أنا التي أدعي أنني كاتبة وناقدة، لا صوت لي. إذن، كيف أكتب؟

وبالفعل لم أعد أكتب. كان نقد الذات وجلدها أقوى من حصون دفاعي فاستسلمت لهما، وضاعت معهما كلماتي. إلا أنني قررت أن أوقف مجزرة الذات هذه، وأفرض وجودي على الجميع. لقد أراد الله أن أكون في هذا العالم، بهذا الطول وبهذه الضحكة، وبهذا الجنون، فلماذا أشوه ما خلقه الله. ألا يكفينا نحن كبشر تشويهنا للطبيعة ودورات الحياة، حتى يطول إجرامنا تشويه أنفسنا؟

يا له من مجرم هذا الإنسان، وخاصة عندما يتخلى عن إنسانيته.

قد أثار فيّ هذا الكتاب كل هذه المشاعر، فأردت أن أشاركها معكم فجة وطازجة على الرغم من صعوبتها، علماً بأن العبرات قد تخللت الكثير من الفقرات الماضية.

إن أكبر نعمة أنعمها الله عز وجل علينا هي نعمة الحياة، فلماذا نطمسها في أنفسنا وفيمن حولنا؟

أنصحكم وأنصح نفسي أولاً، بأن نكون حقّانيين مع أنفسنا وندع ذواتنا الحقيقية تتضح وتظهر، فبدونها ما نحن إلا مسخ لأشخاص آخرين كان يُمكن أن يكونوا!

أمّا من الناحية التقنية، فيتدرج الكاتب من المنظور والأنظمة المحركة للإنسان إلى الحديث عن المستقبل. للأسف غفل الناشر عن إضافة قائمة المحتويات في بداية الكتاب أو حتى نهايته (أو ربما يكون العيب في نسختي فقط). لذا، ونظراً لعظم هذا الكتاب، أعددت القائمة، وأضفتها لنهاية هذه المراجعة.

أكثر ما أحببته في أسلوب الكاتب طريقة تقسيمه للفصول والتي تتضمن التشديد على الأسئلة الهامة، ثم تلخيصه في النهاية في نقاط “للتذكير” و “أسئلة للتفكير”، وهو الأمر السائد في أغلب كتب التنمية البشرية، غير أن ما يميز كتاب «كن أنت: رحلة البحث عن ذاتك الكونية» على وجه الخصوص شموليته لجميع المواضيع التي تتناولها هذه الكتب كالتنوير، العزيمة، والرؤيا، وغيرها الكثير الكثير من المواضيع.

كما أن أغلب الكتب الجيدة في هذا المجال تكون منقولة عن اللغة الإنجليزية، وبذلك فهي غالباً تتحدث وتعالج مشاكل سائدة في مجتمعات أخرى غير مجتمعاتنا، بينما عالج كتاب الدكتور إيهاب حمارنة مجتمعاتنا التي يسود فيها – وللأسف – المجاملات الاجتماعية والانقياد وراء العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان.

الحكمة من الكتاب:

طبعاً من المستحيل أن خرج بحكمة واحدة من هذا الكتاب، والذي تحتوي كل فقرة منه على حكمة جديدة ومعنى عميق، فحتى عنوانه في حد ذاته مشبع بالحِكم، ففيه تذكير بأن نكون حقّانيين مع أنفسنا، وأن ذاتنا الحقيقية لم تُوجد في الفراغ، وإنما هي ذات كونية متصلة بكل ما حولها.

اقتباسات من الكتاب:

“ربما أنت من حالي، قيل لك في المدرسة إنك لست بكاف، وقد تكررت هذه الرسالة، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، على ألسن المعلمين والأهل والأصدقاء، وحتى لوحات الإعلانات، فكلها تقص الرسالة المحورية ذاتها، وهي أن عليك أن تجاهد لتصبح شخصاً آخر، شخصاً مختلفاً عن معدنك الأصيل، فأنت كما أنت لست كافياً. والوعد أنك في نهاية هذا الجهاد البائس، ستجد بوابة الاكتفاء، ولكن إلى متى؟ ألم تتعب؟ أنا شخصياً تعبت. وأرهقت من ثقل هذا الزيف.” (ص. 25)

“أنت الخبرة المتجددة في حدود الزمان والمكان، وأنت ما بعد ذلك. إن الخليقة كلها تعمل كوسائل تعبير كونية، أو متنفس للعصارة الإلهية لتعبر عن ذاتها، وعلى الرغم من اختلاف تعابير الحياة المطلقة، إلا أنها جميعها تعود لتتلاقى في نقطة الوجود، في “الآن”. بمعنى أنك تعبير فريد عن الوجود، تعبير فريد عن “الواحد”، وهذا سرّنا الصغير.” (ص. 27)

“الطاقة الأنثوية هي الأمل لنهضة الإنسانية، والأساس للصحوة التي نعيشها الآن، وتمكين المرأة هو تمكين للإنسانية ككل.” (ص. 45)

“القوة الحقيقية هي أن تعرف أن كل ما تبحث عنه، هو في داخلك الآن.” (ص. 55)

“أعظم حب في الخليقة، هو حب الحقيقية كما هي.” (ص. 54)

“حب الذات هو نفسه حب البشر، والحياة الواحدة؛ لأن الحب واحد، وغير مقسم.” (ص. 70)

“إن قوى السيطرة ليست الشركات، أو الحكومات، وإنما هي تحصل على بعد آخر، بعد لا مرئي، يتم فيه التلاعب بالمنظور، لتبقى العامة في طاقة الخوف والأحكام. فوعي الخوف يحول الشخص إلى قطة لحم طاقية، يسهل نهشها واستبعادها. ومتى استفقت من هذه الغيبوبة، واسترجعت سيادتك الطاقية، انتهت لعبة السيطرة من حياتك، وبدأت لعبتك الخاصة، وهي لعبة الوحدة القلبية، وفيها إمكانات مستورة، واحتماليات تعبيرية لا محدودة.” (ص. 110)

“الاستعمال الأعلى للعزيمة، بأن تدع نهر الحياة لقيادة سفينتك، دون عرقلته بأفكارك الشخصية.” (ص. 116)

“في حالة التسليم تنهار الحواجز بين الشخص والروح، وتختفي الحاجة إلى التملك والسيطرة على تدفق الحياة، ليبزغ تلقائياً من خلالك الأداء الراقي.” (ص. 119)

“الكشف يبدأ بهمسات رقيقة، قد تكون على شكل علامات صغيرة، وخفية في يومك، وإن لم تسمع، ازدادت حدة العلامة، وإن لم تسمع، سترغمك الحياة على الإنصات بطريقتها الخاصة، فتقرص أذنك بقوة، وتشدها إلى فم الروح، وهذه الصرامة جزء من رحمة الحياة.” (ص. 127)

“الرحمة هي الشراب الكوني المشبع في ذرات الأكوان كافة، وهي المادة الجامعة، التي تبقي الأرض والكواكب في مساراتها، وبسقوط الرحمة تتساقط كل الكواكب باللحظة. فلا شيء يخرج عن قانون الرحمة، أو يعلو عليه؛ ولذلك، فإن الحياة تعمل دائماً وأبداً باتجاه واحد، وهو الرحمة، حتى إن لم تتواز الرحمة مع مفهومك عن الرحمة.” (ص. 127)

“التقبل هو مفتاح الاستمتاع بالحياة، والتقبل لا يعني “الرضا الكاذب” بأن “تحتمل” الظروف كما هي، وإن كانت لا تناسب، ولا تناسب احترامك لذاتك، والتقبل لا يعني أن تهمل قدرتك الأصلية على تغيير ما لا تفضل، بل على العكس تماماً، فالتقبل هو أسرع طريقة للتغيير والتطور.” (ص. 135)

“التقبل هو سر الوجود؛ لأن الوجود فيه تقبل ضمني لكل تجلياته، وهذا هو تعريف الحب غير المشروط من الحياة للحياة.” (ص. 136)

“دع حدسك يقود خيالك، وكأن الذكاء الكوني رائد للعملية، فاسمح لنفسك أن تكون مكان المراقب، بدل المتحكم، فلا تجبر الطاقة أن تمشي في اتجاه معين، وإنما سر معها. وعندما تتصل مع رحم الأرض، امتزج بطاقتها هناك، وفيها يتجلى الحب الأمومي.” (ص. 151)

“للكلام أثر يتعدى الاعتقاد، فهو طاقة تتسرب من فم الشخص، وتأخذ رحلة غير منتهية في أرجاء الكون. فكل كلمة تطلق من الفم، هي تجسيد لخليقة جديدة، تجوب فيها بحار الزمان والمكان، ليتجلى فيها العمار، أو الدمار، الشفاء أو المرض، التمكين أو التحقير.” (ص. 163)

“كيف تعرف حق المعرفة أنك تعرف الشيء، أو لا؟ الإجابة بسيطة للغاية: إن كنت تعرفه فأنت تعيشه، وغير ذلك، فأنت لست بعارف له، ولكن سمعت به، وتدركه على مستوى سطحي.” (ص. 163)

“القائد المستنير هو ليس ذلك الشخص الذي يهرب من الأنظمة والمجتمع، ليمضي كل وقته متأملاً في الكهوف، أو اليوغا، أو الرقص الروحاني، وإنما هو الجاذب لحكمة التأمل، وأبعاد الذات المختلفة، إلى عمق المجتمع، لتحديث الأنظمة السائدة بالحب، والعمل الصادق الجاد.” (ص. 228)

“عندما يضيئ النور بكامل وهجه، فإنه قد يزعج الشخص الذي لم يعتدِ عليه، فإما أن يتأقلم الشخص معه، ويفتح عينيه، وقلبه بروية للاتحاد بالنور، أو يلعنه؛ لأنه سبب إزعاجه.” (ص. 230)

“استمتع بالغموض كعلامة على التجديد، وعاملها كفضول الأطفال في وهج الحياة، فإن مات الغموض، مات الطفل فيك، ومات الإنسان، ومات المفكر المستقل، ومات القائد المستنير.” (ص. 239)

“أنت تحصد نتائج الوعي الذي تختاره!” (ص. 269)

“واحدة من غايات الكتاب الرئيسية، هي السعي لتغيير الأنظمة الحالية، بتغيير النظام الأساسي المشكل لها، وهي السيكولوجية الإنسانية، بإرجاعها إلى تعبير الحب والوحدة والرسالة، وعندها سيصبح تغيير الأنظمة الخارجة تلقائي الحدوث لنشهد سوياً بعدها رؤية جديدة كلياً لعالم جديد.” (ص. 287)

“التطور في درجات الوعي، ومعها ضمنية التطور في استشعار الله لذاته، والقدرة الكامنة على التعبير عن الذات الإلهية على الأرض. هذه هي نية التكوين الأولية، هي نية خالصة من قلب الله.”  (ص. 292)

“العوالم المنفصلة هي أساس الاتصال الإنساني، وعدم معرفة بحقيقة العوالم المنفصلة، هو من يقيد الناس بالتشدد والعنصرية، بظنهم الواهم أن عوالم كل الأشخاص واحدة، وهو نفسه عالم الشخص ذاته. فترى الشخص حينها يفسر كلام الناس كافة بما يتوازى مع معانيه الخاصة، وحاجته العاطفية الخاصة.” (ص. 313)

“فكرة (أنت مش محبوب) هي وهم فكري، وهي أساس الشرور الإنسانية، وللأسف يخاف الكثيرون من تغيير هذا الوهم؛ لأن عالمهم بالكامل، ومنشآته الفكرية كلها، ترتكز على هذه الفكرة. وبانسحاق “ملح” هذه الفكرة، سينسحق عالم الشخص، ولكن ما هذا إلا انسحاق لعالم المحتويات الفكرية فقط. هي عملية تدمير روحي لتولد عوالم جديدة من الحب بعدها، عوالم من الحب اللا محدود خلف هذه الفكرة.” (ص. 319)

“من المهم جداً أن تضع نفسك مع أشخاص وبيئة ترتقي بك، وتحتفل بحقيقتك، وإن لم يكن هذا واقعك الآن، فاعمل على جذبه بالنية، وبتشفير الأفكار المعرقة له، مع وضع نفسك في أماكن يتواجد فيها محبو اليقظة الروحية والتطور الذاتي.” (ص. 321)

الحب، حب الذات، هو الحل. “والشفاء والتطور الفردي والجمعي، وهو من سيرتقي بفجر جديد على الأرض.” (ص. 322)

الختام:

هل يُمكن أن يكون الكتاب هو سبب ولادة جديدة؟ أجل بالطبع شريطة أن يكون مكتوباً بنية صادقة، فهو يخلق منّا شخصاً آخر وأكثر من ذلك بكثير.

لذا وبقدر ما أنصح بقراءة كتاب «كن أنت: رحلة البحث عن ذاتك الكونية»  بقدر ما لا أوفيه حقه. فأنا من كثرة تأثري به زرتُ أو تواصلتُ مع كل مراكز بيع الكتب في الإمارات العربية المتحدة بحثاً عن نُسخ أخرى كي أهديها لجميع من أعرف، ولم أجد أي نسخة متبقية حتى تاريخه (فبراير 2021). أجل، الكتاب مطلوب لهذه الدرجة، فبادروا بحجز نسخكم وقراءتها فوراً.

—–

قائمة المحتويات

العهد

1. بداية القصة
2. الأنظمة المحركة
3. بعد الإبداع، أم بعد التقليد؟
4. اللا خيار إلى اللا خيار
5. التحرر من قيود الأحكام
6. التغيير يبدأ من الداخل
7. الاستعمال الأسمى للعزيمة
8. طريق المواجهة
9. التكنولوجيا الروحية
10. قدسية الكلام
11. الأمل المتجذر
12. رمي أحمال الماضي
13. قوة العُري
14. القائد المستنير
15. النبض الابتكاري
16. موازنة الإلهام بالالتزام
17. رؤيا الروح
18. التواصل الكامل
19. فجر جديد على الأرض