الحكمة (9): «حين التقيت الله في شارع جميرا» لإلهام عبد الرحمن

الصفحة الرئيسية  /  مراجعات  /  خمسون حكمة حول العالم  /  الحكمة (9): «حين التقيت الله في شارع جميرا» لإلهام عبد الرحمن

أقف اليوم في محطتي التاسعة: الإمارات العربية المتحدة. في كتاب «الراهبة الإسبانية» الذي سبق أن كتبت مراجعته، قال الكاتب “ليست المصادفة سوى اسم مستعار للرب، في تلك الحالات التي لا يُظهر فيها إشارات عن وجوده علناً.” (ص. 23) وهو ما لمسته وأنا أقرأ كتاب «حين التقيت الله في شارع جميرا» للكاتبة إلهام عبد الرحمن الذي نشرته دار مداد للنشر والتوزيع في سنة 2019 في دبي. لم يكن الكتاب ضمن قائمة كتب المشروع، وإنما وجدته عرضاً دون حول لي ولا قوة بعد أن أهدته أختي لوالدتي، ليقع بين يدي صدفة. ولكن ما الصدفة سوى اسم مستعارٌ لأقدار الله!

الأقدار التي تفسرها وتتحدث عنها الكاتبة بعمق وتعمق، فما الكتاب سوى رحلة جوانية خاضتها الكاتبة بعيداً عن المنظور التقليدي للدين. بدايةً، تحدثت عن رحلة بحثها عن إله تُمجده كطفلة؛ فاتبعت الحجر ولسان حالها يتساءل: “لم لا أصبح كإبراهيم (عليه السلام)؟” لكن الحجر لم يتجاوب أو يجيب. فكرهته وغضبت عليه.

تطرقت الكاتبة في الأجزاء الأولى إلى الأسلوب التعسفي الذي تُفرض به الصلاة على الأطفال دون محاولة شرح وتبيين هذا الركن العظيم وهو ما دفعها إلى التخلف عن كل صلاة مفروضة. ونظراً للرقابة القوية في بيتها على الصلاة، كانت تضطر إلى أن تحرك سجادة الصلاة من مكانها لتثبت لمن سيقوم بالتحري عنها أنها قد أقامت صلاتها كما هو مفروض. (ص. 29) حتى تعرفت على الله بقلبها بعيداً عن التخويف والترهيب.

ثم تنتقل إلى نقطة لا تقل جدلية وهي “احتكار الله”. وليسامحني من لم يتعود على قراءة مثل هذه المصطلحات، فالغرض شريف والنية صافية، ولكن علينا تبيين المغالطات التي يقع فيها الكثير منّا حين يعتقد أن الله عز وجل حكر على قوم من الأقوام، أو مكان من الأماكن؛ بينما الله موجود في كل مكان وهو قريب يجيب الدعاء لمن دعاه. وفي سياق مشابه، تقول تعقيباً على شارع جميرا: “هو ذاته شارع باكوارة في البحرين، وشارع الحمرا في بيروت، وشارع الدول العربية في مصر، و “الاجدوارد رود” في لندن”، وشارع أگدال في الرباط.. إلخ، وهي شوارع حكم الناس عليها بسوء السمعة دون حول لها ولا قوة!” وتتابع حديثها عنه قائلة: “عقدتُ مع الله مواعيد كثيرة هنا.. يُنصت لي، يعطيني إشارات من حب ورضوان، ويخلصني من طاقتي السلبية التي يعجز الطب عن تخليطي منها.” (ص. 40)

تستمر إلهام عبد الرحمن في نقد الموروث الديني المادي، فتقول: “أحب رسائل الحب التي يبعثها الله.. ليتنا تعلمنا في مدارسنا المشاعر الرقيقة من آيات القرآن.. لا أذكر من دروس التربية الإسلامية سوى الجنة والنار.. والحساب والعقاب.. أما الرسائل التربوية.. المشاعر.. وثقافة الحياة.. وأساليب التعامل، فلا أجد لها في ذاكرتي شيئاً.” (ص. 60) وتختم الكتاب بقولها: “ترددتُ كثيراً وأنا أكتب مسودة هذا الكتاب، فعلى الرغم من كل البلاغة التي تباهيتُ بها أعلاه، فإنني أعترف بأنها لا ترتقي للحديث عنه [الله] كما ينبغي .. وإنما كتبت هذا الكتاب أملاً بأن يقرأه شخص واحد مثلي، ليعلم أن الله موجود وأقرب إلينا مما نظن، وأقرب من ادّعاءات البعض حين يطردون من رحمته من يشاؤون..!” (ص. 113)

يقدم لنا الكتاب خير دليل على أننا في عصر “موت المؤلف”، إذ تعمل هذه النظرية التي ألفها كارل بارت “على تفكيك العلاقة بين القراءة والكتابة وبين مرسل النص ومستقبله، وتعمل على حل العديد من المشكلات الأدبية النقدية مثل وظيفة قصد المؤلف، وضع اللغة الأدبية، دور الفرضيات التفسيرية، واقع وبيئة المؤلف وإنتاجه الفكري الأدبي، عزلة المؤلف، نظرة المجتمع تجاهه سواء بالتقبل أو الرفض.” (الدوسري، 2016) ببساطة، هي تقطع أي علاقة قائمة بين الكتاب وكاتبه، وكأن الكتاب وحدة مستقلة قائمة بذاتها، وهو ما شعرت به وأنا أقرأ هذا الكتاب نظراً لقلة أو عدم وجود أي حضور للكاتبة على الإنترنت. لا أعلم إن كان هذا مقصوداً أم هو نتيجة تكاسل الناشر. لكنني أتوقع أن قراءتي للكتاب قد تكون مُختلفة لو كنت أعرف الكاتبة واستمعت إلى حديثها قبل قراءته.

الحكمة من الكتاب:

من باب التغيير، كم هو جميل أن أقرأ كتاباً يتحدث عن العلاقة بالله عز وجل بعيداً عن الأحكام والتخويف والترهيب. أن تتجرأ الكاتبة فتعلن عن كل عواطفها ومشاعرها تجاهه عز وجل بعيداً عن الواجب واللازم والمفروض متحدية بذلك زمرة من المجتمع لا تزال ترى في الدين مجموعة من الأوامر التي يجب علينا اتباعها دون عاطفة أو مشاعر وكأننا قد خُلقنا روبوتات ولسنا بشراً، ولهذه الفئة بالذات اعترفت الكاتبة بصريح العبارة وقالت في بداية الكتاب: “أشهد أنا إلهام.. أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله” (ص. 5) مذكرة بأنها مسلمة، وأن علينا مقاومة هؤلاء المتشددين والموروث الديني المُتطرف بكل ما أوتينا من قوة.

اقتباسات من الكتاب:

“الفطرة… هي الإسلام.. هي الإيمان بقدرة الله… هي – بكل بساطة – السكينة والسلام بأن روحك محمية بقوة عُليا لا مماثل لها.” (ص. 18)

“هناك فرق بين الإفتاء، والإنصات إلى صوت العقل والقلب.. هناك مُسلمات في الدين، وهناك أمور يجب أن نُعمل عقولنا لكي نفهمها.” (ص. 51)

“في أحيان كثيرة قد يثنينا القصور في تكويننا العقلي عن فهم الحكمة من عدم الإجابة في التوقيت الذي نحتاج فيه إلى الإجابة التي نظل نلح أن تلبى عاجلاً غير آجل.” (ص. 55)

“كم أنت حنون يا ربي.. تُدبر أمورنا جميعاً.. تحبنا جميعاً.. تيسر لنا ما نحن بحاجة إليه.. أنت الله.. أنت الإله الذي ما غيرك إله.. أراك وأسمعك وأتحسسك في حاجاتي وحاجات من حولي.. في بكائي وضحكاتي.. في همي الذي لا تبقيه، وسعادتي التي تكرمني بها. (ص. 105)

“اختصاراً.. أنا أحب الله والله يحبني، ألتقيه في كل مكان، أخطئ ويسامحني، أحتاج فيعطيني، أحدثه فيسمعني، والمقابل: لا شيء.” (ص. 113)

الختام:

نحتاج إلى المزيد من هذه الكتب في عالمنا. كتبٌ تعظم الله عز وجل وتنزهه عن الأفكار المُتعصبة والاحتكار والأحكام المُغلقة التي حصرنا ذكره فيها بكل تعسف وظلم، وفي المُقابل تُشجع مثل هذه الكُتب على توطيد العلاقة مع الله عز وجل. استمتعت في رحلة قراءة هذا الكتاب وفي المعاني والمواضيع التي تطرقت لها الكاتبة.

المصادر:

  1. عادل الدوسري (31/09/2016) ” نظرية موت المؤلف،” صحيفة الجزيرة

أحدث التعليقات