رواية «فئران أمي حصة» لسعود السنعوسي

الصفحة الرئيسية  /  مراجعات  /  مُختارات  /  رواية «فئران أمي حصة» لسعود السنعوسي

سعود السنعوسي هو روائي وصحفي كويتي من مواليد عام1981. يعمل حاليا ككاتب في جريدة القبس. فازت روايته «ساق البامبو» بالجائزة البوكر العربية سنة 2013. حصلت روايته «سجين المرايا» في عام 2010 بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية، كما حاز على المركز الأول في مسابقة «قصص على الهواء» التي تنظمها مجلة العربي بالتعاون مع إذاعة البي بي سي العربية وذلك عن قصة «البونساي والرجل العجوز» سنة 2011.

رواية «فئران أمي حصة» لسعود السنعوسي والتي نشرتها الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات ضفاف سنة 2015 في ست طبعات أحدثها في إبريل الماضي تتحدث عن قصة العائلة الكويتية على مختلف أطيافها ومذاهبها منذ التسعينات إلى المستقبل الذي سيحمل في طياته الدمار والخراب إن استمرت الفتنة في الظهور بين أصحاب المذاهب المختلفة وهذا استنادا لرؤية الكاتب.

تدور أحداث القصة على لسان إبراهيم، الراوي، الذي يتردد بين ماضٍ بعيد ومستقبل سيأتي. يبدأ إبراهيم في وصف الأحداث التي وقعت في الكويت منذ سنة 1985، وهي السنة التي وقعت فيها تفجيرات المقاهي الشعبية في الكويت، ثم يتقدم بالزمان إلى سنة 2020 في أجزاء صغيرة وموجزة لا تتجاوز الثماني صفحات وردت في أربعة فصول كالآتي: “الفأر الأول: شرر، والفأر الثاني: لظى، والفأر الثالث: جمر، والفأر الرابع: رماد”.

في العادة يبدأ الراوي بوصف الأحداث الحالية أو المتقدمة زمنياً ثم يعود إلى الذكريات القديمة ليبرر أو يفسر ما يحدث الآن ولكن السنعوسي كتب روايته بعكس ذلك فبدأ بالماضي منتقلاً إلى المستقبل فكأنه يمهد الطريق إلى رسالة سيبعث بها للقراء الذين أخذ يحذرهم بين الحين والآخر من الفئران والطاعون كما ورد تحذير فؤادة من مسلسل (على الدنيا السلام) إذ افتتح روايته بمقولتها: “أنا التاريخ كله، وأحذركم من الآن; الفئران آتية، احموا الناس من الطاعون!” ولقد استخدم سعود الفئران كرمز للفتنة والطاعون رمزاً للموت الذي تولده الفتنة بطبيعة الحال.

يصور لنا الكاتب تاريخ الكويت في هذه الفترة بتفاصيله المختلفة ومشاحناته العديدة، فيعرض في سرده حيوات أربعة أجيال من الشعب الكويتي فكأنه يدون بذلك فترة مائة عام من التاريخ الكويتي. مثّل السنعوني هذه الأجيال الأربع في عدة أشخاص لكل جيل فكان الجيل الأول “أمي حصة” وزوجها وجارتها بيبي زينب وكما ذكر في الرواية “جيل الطيبين” الذي ولد في بداية القرن التاسع عشر، يليه الجيل الثاني ومثّله في صالح والد فهد وعباس والد صادق. أما الجيل الثالث فمثله إبراهيم الراوي وفهد وصادق وأيوب وضاوي وحوراء وفوزية فكان الجيل الرابع والأخير جيل أبناء فهد وحوراء و حصة التي تظهر في آخر الرواية سنة 2020.

في منظور الكاتب تميز الجيل الأول والذي تمثل في أمي حصة والتي يدور جزء كبير من أحداث الرواية حولهابالحكمة والطيبة وقوة الإيمان بالله إذ ذكر في وصفها: “معها فقط تشعر الله قريباً، كأنك وفق مخيلتك، تحلق في السماء.” قلبها مليء بالحب والسماح إزاء خادمتها وجارتها بيبي زينب على الرغم من اختلاف مذهبيهما، فلا تسمع في كلامها آثار الفتة الطائفية. وتصل رحمتها وسماحتها النبات والنخلات وشجرة السدرة في الحديقة التي تفكر فيها وتخاف عليها كأنها أحد أفراد عائلتها. وتعبر أمي حصة عن بساطة هذا الجيل وعفويته في قولها تعليقاً على الثورة الإيرانية في أول أيامها:  “وأنا وأبوه، يا عون الله، ما نفهم شيئا من قوله عدا ثورة إسلامية … حياها الله! من يعاف الإسلام؟ الإسلام زين.” (ص. 199)

 

أما الجيل الثاني ففيه نشهد بداية الفتنة الطائفية بين صالح السني وعباس الشيعي وبداية ظهور المصطلحين “نحن وهم” ولكن ورغم هذا الخلاف وتحت طلب أمهاتهم (حصة وزينب) سارع صالح في الاستفسار عن عباس في مركز الشرطة مما أدى إلى اعتقاله هو أيضا في فترة غزو العراق للكويت، لكن الوفاق لا يطول وتزداد الفتنة بالظهور بعد زواج ابن صالح فهد من ابنة عباس حوراء تحت إلحاح بيبي زينب التي لا ترى الحدود التي يراها كل من عباس وحوراء. ويشير الكاتب بصوة غير مباشرة إلى هذا الجيل على أنه جيل الشعارات والأحزاب والحملات (والتي من شأنها أن تولد الخلاف والفتنة) في وصف أمي حصة لولدها صالح فتقول:  “أما صالح، ربي يصلح حاله، كل يوم شكل. معاهم معاهم، عليهم عليهم! مرة يقصر دشداشته، مرة يلبس مثل الإنجليز. يحب تعليق الصور، مرة جمال عبد الناصر ومره الكافر أبو لحية منتوفه…”

“حمل صالح صورة الإمام الخميني”

“علق صورة صدام حسين، لا أدري ما الذي أصاب أولادنا، من يومها صار واحدهم يحسب الله في صفه ضد الآخر… ما كنا نعرف شيء من هذا والله.. فتنة.. فتنة” (ص. 198-199)

أما الجيل الثالث وهو جيل الراوي إبراهيم فهو جيل الفتنة الكبرى بين المذاهب والطوائف فكأن الفتنة تتزايد جيلاً بعد جيل فيفعل الجيل الجديد ما لم يقوَ الجيل القديم على فعله ولو أن نيرانه قد أضرمت في داخله، وعلى الرغم من أن هذا الجيل هو الذي أتى بفكرة جمع الصفوف وتوحيد الكلمة تحت اسم أولاد فؤادة التي تحذر من الفئران والطاعون في الجرائد وفي قناة راديو تبث عبر الإنترنت إلا أنه هو أيضاً الجيل الذي يصل لحد القتل بسبب الفتنة وتحت حماس الجمهور إذ يظهر في خطاب الشباب لبعضهم بعضا في مواقع مختلفة من الرواية بعبارة “جماعتك”.

الجيل الرابع يعيش ظلام الفتنة في أوجها ويأتي في الرواية متجسم في ولدي فهد وحوراء اللذين لم يعلما لأي طائفة ينتميان عندما سألا إبراهيم عن الذي يجب عليهم قوله بعد ذكر اسم “علي ابن أبي طالب” فهل تراهما يقولان عليه السلام أو رضي الله عنه. إنه جيل ضائع نوعاً ما لا يعلم لأي طائفة ينتمي، وربما كان هذا الضياع لمصلحته نوعاً ما فهذه المرونة في الاختيار قد تكون سبيلاً لحل أوسط. وجسّم السنعوسي هذا الجيل في حصة الفتاة الضائعة التي تتابع القناة وتحبها، ثم إنها تحمل اسم حصة أيضا فكأن التاريخ يعود من جديد في صيغة مختلفة، ربما كان هذا بصيص أمل تركها لنا الكاتب حتى نتأمل فيه.

رواية «فئران أمي حصة» من الروايات التي تستحق القراءة لأنها ليست مجرد عمل أدبي مكتوب بأسلوب بليغ ومعبر ولكنها أكثر من ذلك، فقد تدخل في خانة الروايات التاريخية التي تدون تاريخ الكويت المعاصر، أنصح من لم يقرأها بعد بقراءتها لأنها فعلاً تستحق القراءة.

 

أحدث التعليقات