إليك سيدتي

قبل مدة ليست بالقصيرة قرأت كتاب أحلام المستغانمي الجديد «نسيانكم» وعلى الرغم من أن موضوع الكتاب وعنوانه يتحدثان عن النسيان لم يسرق انتباهي وتفكيري سوى عبارة قد قرأتها في أول صفحة من الكتاب، إذ تقول أحلام في مدخل الكتاب: “أحبيه كما لم تحب امرأة.” تساءلت كثيراً عن المغزى من كلمات أحلام فهل يعقل أنه لا وجود لامرأة أحبت بصدق؟ وكلما تساءلت خطرت ببالي كلمات كثيرة لا نهائية من كلمات نزار التي يتحدث فيها عن المرأة وحقها المسلوب في الحب. في البداية كنت أتساءل عن صحة كلمات نزار ثم إننا الآن في القرن الواحد والعشرين ومن المؤكد أن الكثير أو القليل من التغيير قد دق أبواب النساء، لكن وللأسف لا يزال الوضع سيئاً كما كان في عهد نزار.

كيف تراني أتجرأ وأقول ذلك ونحن جميعاً واعيات للتغيرات الكبيرة التي دخلت خزائن النساء وغرف نومهن؟ الحقيقة أننا الآن عالقون في المنتصف بين سذاجة جدّاتنا وربما والداتنا وترفع وتكبر الجيل الجديد فالجيل القديم كان ساذجاً في حبه أو ربما تعلمن كيف يكن ساذجات أو يوهمن من حولهن أنهن ساذجات حتى لا يلحقن العار بأنفسهن وأهلهن، أما الجيل الجديد أصبح يرى الحب والعواطف على أنها رجس من عمل الشيطان.

لا تزال كلمات تلك المرأة الخمسينية ترن في أذني عندما قالت أنها قد كبرت الآن على تلبية رغبات زوجها أو حبه وأنها تريد تسخير كل جهدها لأحفادها. بصراحة أشكرها على تعبيرها الصريح على حقيقة شعورها وعلى قول ما تعجز عن قوله آلاف الأمهات اللواتي يقضين يومهن بطوله في الانشغال بأبنائهن لدرجة خنقهم وذلك ربما هرباً من النداء الطبيعي الأنثوي في داخلهن. أنا أقدس الأمومة وأحب كل أم على سطح هذه الأرض وأحييها على نضالها ومجهودها فليس بالسهل أبداً أن تكون المرأة منا أماً في أي زمن أو أي مكان لكن عندما تصبح رعاية الأطفال والعناية بهم حاجزاً تختبئ وراءه المرأة هرباً من عاطفتها وغريزتها فمن المؤكد أن ذلك يدل على وجود خلل ما في المنتصف!

أما بالنسبة للجيل الجديد المتعلم والمتحرر فالنمط ذاته يتكرر لكن مع اختلاف في المسميات فالمرأة تتعلل بالعمل أو مشاغل الحياة حتى تتهرب من ذاتها وأنوثتها واحتياجاتها العاطفية والغريزية وتهرب من أحضان زوجها لأحضان الأوراق والملفات وأي تضحية أو مبادرة تقوم بها لزوجها تراها إنقاصاً للذات وضعفا وربما رجعية وحماقة لأنها امرأة متعلمة ومحترمة وليست في عهد “سي السيد”! الألفاظ ذاتها تتكرر بينما من قبل كان احترام المرأة وكونها “بنت ناس” يمنعها من المبادرة والآن أصبح تعليمها ومستواها الثقافي هو السبب في ذلك.

سيعترض الكثيرون وسيقولون بأن كلامي غير واقعي وغير منطقي ولهم أقول لا تفترضوا ذلك بل لاحظوا بأم عينيكم كيف يعيش الأزواج في يومنا هذا وأتمنى أن يقول لي أحدهم أن المرأة لم تعد هاربة من أحضان زوجها كما هي حالها من قبل وحالها اليوم. كم أتمنى أن يقول لي أحدهم أن أحلاماً كانت مخطئة عندما قالت “أحبيه كما لم تحب امرأة!” وأن النساء تحب وتعشق وتبادر! فعلاً سيكون ذلك هو أسعد يوم في حياتي!

أنا لا أحرض النساء على الحرية المطلقة فأنا لا أحرض عليها أحداً سواء كان ذكراً أو أنثى وأؤمن بالحدود لذا أتكلم هنا عن المرأة التي تعجز عن إظهار حبها لزوجها وتعجز عن التحرر من “بعبع الجنس” كما سماه نزار قباني مع زوجها ورفيقها بالحلال! للأسف أغلب النساء مؤمنة أنه ليس لها نصيب في الحب أو الجنس والعشق وأن الرجل طبعاً هو سيدهم كلهم، لكنها في الآن ذاته تشعر بالإحباط والاختناق والقلق وربما تعيش على المهدئات والمسكنات وهذا لأنها وببساطة تكبت الأنثى داخلها وتكبت متطلباتها واحتياجاتها كبشر فهل الرجل بشر أكثر منها؟

أجل سيدتي أظهري حبك أخرجي تلك الطاقات الجميلة والرقيقة والساحرة الكامنة بداخلك لا تكبتِ من أنتِ بل أظهريها بكل فخر وإن انتظر الجميع استسلامكِ وتخليكِ عن أنوثتكِ فلتواجهيهم بها وأعلني عليهم ثورتك التي تبدأ على نفسكِ وعلى كل من أمرك بأن تكوني أقل حباً وأقل عشقاً وأكثر صبراً وأقل جاذبية! فلتخلدي للنوم ليلاً وكل ما في ذهنكِ أنكِ الأنثى الأخيرة له، لزوجك وأنك تحبينه وتحتاجينه وتشتاقين له في غيابه! قولي له تلك الكلمات أغرقيه بالحب والحنان ولا تترددي كوني أميرته وزوجته وعشيقته كوني الأنثى التي بداخلك التي تحتاج أن تتحرر من قيودها وكما قالت أحلام : ” في الحب لا تفرطي في شيء بل كوني مُفرطة في كل شيء.”

لا تقارني نفسك باللواتي يظهرن بالتلفاز بطولهن أو نحولتهن فأنت الأصل، كوني واثقة بأنك الأجمل والأكثر حباً وبذلك ستكونين أنتِ الأكثر إغراءً ولتنفقي وقتك برعايته هو ابنك الأول والأخير والوحيد الذي سيبقى إن رحل الجميع اعتني به كطفلك فعلميه أبجدية الحب إن كان يجهلها حرفاً حرفاً من الألف إلى الياء وإياك أن تهملي حرفاً واحداً من الأبجدية. علميه في الصبح والمساء حتى يجيد لغة الحب ويتمرسها، وأيقني أنه ما من مستفيد غيركِ. قولي له أحبك كل لحظة وكل ثانية حتى يتعود عليها وعلى نطقها فلا تجيد شفتاه نطق غيرها ربيه أنتِ على الحب والحنان والعطف ولن تجدي في المقابل غيرهما منه!

في الختام لا يسعني سوى أن أختم بكلمات أحلام وأقول: فلتكوني تلك المرأة التي عشقت وأغرمت وأحبت وبكل بساطة “أحبيه كما لم تحب امرأة!”

أحدث التعليقات