شوية ثقة

عندما تضيق بنا الحياة ونشعر أن جميع الأبواب مقفلة في وجوهنا وتظلم الدنيا برغم نورها وتضيق رغماً عن وسعها، علينا التحلي بـ “شوية ثقة” في أن الغد سيكون أفضل وأن دوام الحال من المحال وأن بعد العسر يسراً.

عندما نغرق في المحاولات الفاشلة ويملؤنا الشعور بالعجز وأننا غير قادرين على إنجاز أي عمل ناجح في حياتنا، علينا التخلي بـ”شوية ثقة” لأن التجارب الغير ناجحة تعلمنا والتجارب الناجحة تأهلنا ونحن في الحالتين مستفيدون.

عندما يغيب الحب الذي انتظرناه سنين من عمرنا دون كلمة وداع أو بجرح عميق خلفه قبل الرحيل فبات الحصول على حب جديد وداع جديد للتبسم أمراً مستحيلاً، علينا التحلي بـ”شوية ثقة” في أن الحب في كل مكان وعلى كل أرض وفوق كل شجرة وما علينا سوى الاستعداد له.

عندما ندعو الله مراراً وتكراراً ونبكي ونخشع في الدعاء لكن دعواتنا لا تستجاب ويملؤنا العجز وينقص في قلوبنا الإيمان ويتبخر اليقين، علينا التحلي بـ”شوية ثقة” بأن ربنا لن يضيعنا وأنه يسمعنا ويرافقنا في طريقنا ومسيرتنا وأن السبب في عدم استجابته لدعائنا هو لأنه يريد لنا الأفضل ولسنا دائماً مدركين له على الرغم من درايته هو به عز وجل.

“شوية ثقة” كلمتين بالعامية جعلتهما عنوان روح اليوم على الرغم من أنني من المؤيدين لاستخدام اللغة العربية الفصحى من البداية للنهاية لكن عندما نتكلم عن الثقة فنحن نتكلم عن الثقة اليومية العامية التي نحتاجها في كل حين وكل لحظة، لذا ولهذه الحالة الخاصة كان الوضع استثنائياً وقبلت أن يكون عنوان الروح بالعامية.

الثقة التي أتحدث عنها هنا هي ذلك الفيتامين الذي يحتاج كل شخص منا أن يتناول جرعة كافية منه كل يوم عندما يستيقظ، حتى يثق في رب العباد أولاً وأنه لن يخيبه ولن ينساه أو يتجاهله بل هو أقرب إليه من حبل الوريد لذا سيثق أيضاً في يومه الذي هو من صنع ربه وأنه سيكون يوماً مثمراً ومليئا بالأمل والسعادة وسيثق بنفسه وأنه قادر على القيام بالمستحيل إن هو أراد ذلك وسعى له وأن يثق في من حوله فبقدر الثقة التي يزرعها فيهم بقدر الثقة التي يحصدها منهم.

للأسف نحن نعيش في أزمة ثقة اتجاه كل شيء في حياتنا وقد أصبح الشك هو طريقنا الوحيد للحياة ومصيرنا الأوحد، فحتى ذوقنا الشخصي لا نثق فيه إلا إن أثنى علينا أحدهم وأخبرنا بأننا رائعون أو جذابون. تكبر المشكلة أكثر عندما تتجاوز أزمة الثقة بالنفس والذات حتى تصل للبشرية جمعاء فيفقد المرء ثقته في أخيه الإنسان ويفقد الثقة أنه من مقدرو كل إنسان التغير للأفضل لذا يستحق كل إنسان فرصة ثانية وثالثة ورابعة. أما الأزمة الحقيقية هي عندما يفقد المرء الثقة في دينه وربه. وإن فعل، فلماذا لا يزال على هذا الدين؟ أليس الدين خيار والتزام؟ فمن أراد أن يكون مسلماً عليه أن يثق في هذا الدين العظيم وفي فعاليته وقوته وصحته المطلقة وتبعاً لذلك سيثق في وجود الله وقوته ورحمته وعفوه ومغفرته حتى لا يغرق في بحور تأنيب الضمير وجلد النفس وتعذيبها.

الثقة في النفس هي المدخل لدائرة الثقة في من حولنا فمن لم يثق في نفسه كيف عساه يثق في الآخرين وفاقد الشيء لا يعطيه. للأسف يربي العديد من الآباء أبنائهم على ثقة معدمة في أنفسهم وذلك بتأنيبهم المستمر وتولي جميع شؤونهم والتدخل فيها كلها حتى في مراهقة الابن مما يجعله يشعر بأنه غير قادر على العناية بذاته فيفقد ثقته في نفسه وفي قراراته حتى يفقد الثقة في من حوله وفي والديه فتدور الدائرة عليهم ويحصدوا ما زرعوا، بينما لو يزرع الآباء الثقة في قلوب أبنائهم بتشجيعهم والإيمان بهم والثقة فيهم أولاً فسيتفاجئون بمقدور الثقة والوفاء التي سيحصدونها لاحقاً.

انعدام الثقة بالنفس أو انخفاضها مرض نعاني أغلبنا منه وخاصة أنا وها أنا أعترف بكل أريحية وأحدثكم عن المشاكل التي سببها هذا المرض لي وهي النظرة الدونية لنفسي وتبعاً لها النظرة الدونية لوطني ولديني ولثقافتي العربية وطبعا لكوني أنثى النظرة الدونية الدائمة لنفسي وأنني يجب أن أبدو دائماً أجمل وأكثر رشاقة وأن على بشرتي أن تبدو أكثر نظارة وغيرها من مولدات النظرة الدونية التي تصلنا ممن حولنا أو من مختلف وسائل الإعلام.

ولهذا المرض الخطير العديد من النتائج السلبية والتي من أبرزها الشعور الدائم بالحاجة إلى التغير فدائماً ما نلوم أوطاننا ونطالبها بالتغير ونطالب بتغير ديننا وثقافتنا وطريقة لبسنا ومقاسات أجسادنا ولون بشرتنا بينما في الحقيقة نحن لا نحتاج للتغير بقدر ما نحتاج الثقة. قد يستنتج من كلماتي أننا بكل خير وحالنا أفضل حال وطبعاً لن يوافق الكثيرون على كلامي هذا وسيعترض علي وستعرض عليّ قائمة طويلة عريضة بالاختلالات التي نعيشها والمفارقات التي تعيشنا ولن أستطيع أن أنكر أياً مما يذكر لكنني سأسأله أن يعطيني مثالاً على قوم أو شعب أو بشر لا يواجهون مشاكل مشابهة وأوقن أنه لن يجد أي شعب مماثل. إننا في هذه الحياة، بمشاكلها وتناقضاتها، لا نحتاج للتغير لنجعلها مستوية، وقد جُعلت عوجاء.

في الختام تذكروا تناول حبة ثقة كل يوم عندما تستيقظون وقبل أن تخلدوا للنوم حتى تكون أحلامك أحلاماً واثقة فكل ما نحتاجه هو “شوية ثقة” لا أكثر!

 

أحدث التعليقات