عزيزتي نفسي

في هذه الليلة لن أكتب عن أحد بل سأكون في قمة الأنانية وسأكتب عن الشخص الذي يرافقني أينما ذهبت وحتى في نومي يكون معي. سأكتب عن نفسي، عنها التي قضت معي ساعات طويلة من الألم بكيت فيها لسبب أو لآخر وساعات أخرى من الفرح قضيتها في التخطيط للحظات سعادة أو في عيشها. عن نفسي التي عنفتها كثيراً وأثقلت حِملها بتأنيب الضمير والهاجس الثقيل، عن نفسي التي تحملتني في أسوء حالاتي التي لم أبالي فيها بها إطلاقاً، لها وعنها فقط سأكتب اليوم!

الكثير من وقتنا يمر ونحن برفقة فلان وعلان/ وهذا وذاك أو حتى برفقة عائلاتنا والناس التي نحب ونحاول بطبيعة الأمر فهمهم وفهم آلامهم واحتياجاتهم، لكن وللأسف لا ننفق ما يكفي من الوقت لفهم أنفسنا وما يحركنا ويثيرنا، وما يخيفنا ونهابه وربما نهرب حتى من مواجهة: هو من نكون. أذكر قبل عدة سنين كنت أغطي كل المرايا التي في غرفتي إن توترت أو غضبت من نفسي وذلك كي لا أواجه نفسي أو أرى عيناي في المرآة ربما في تصرفي هذا بعض من الجنون لكنه يعبر عن حالي أنا بصورة شخصية وحالنا جميعاً بصورة عامة عندما نمر بتجربة صعبة أو نحاول الهروب من الواقع ومن أنفسنا ونقوم بذلك بمختلف الطرق فالبعض يتهرب من ذاته عن طريق ملء وقته بالتواصل مع الناس أجمعين حتى لا يجد وقتاً يقضيه وهو يفكر في ذاته وفي نفسه أو في عمل ما قد نفعله ونندم عليه، وآخرون يقضون كل يومهم في الانشغال بهذا أو ذاك هروباً من لحظة فراغ قد تجبرهم على مواجهة أنفسهم.

لكن لماذا؟ لماذا قد يهرب الإنسان من نفسه؟ سأكون بمنتهى الصراحة هنا وأتحدث عن نفسي والسبب الذي جعلني أهرب من نفسي – وأغطي المرايا جميعاً – إنه الشعور بتأنيب الضمير. في كل مرحلة من مراحل الحياة نتغير فيتغير العالم في عيوننا. فتأنيب الضمير في هذه المرحلة ناتج عن تعلقي في المنتصف بين ما أريد أن أكون وكيف يريدونني أن أكون، للأسف زدت الوضع سوءاً بالهرب من نفسي وعدم محاولة الوصول لحل يرضي نفسي وجميع مطالبها أو بعضهم بالإضافة لقبول من حولي ومن يهمهم أمري، فالحل دائما موجود وإن صعب علينا الوصول إليه.

جميعناً لدينا مشاكلنا الخاصة التي تدفعنا للهرب من أنفسنا. أحياناً يلاحقنا خطأ من ماضٍ قريب كان أو بعيد أو جرح لا نود المرور عليه حتى لا يزيدنا ألماً، وربما فعل سيء فعلناه ولا نزال مستمرين في فعله ولا نريد مواجهة ذلك والاعتراف بأننا فعلاً مخطئون. الأسباب كثيرة والمشكلة ليست في معرفة السبب الذي يمنعنا من مواجهة أنفسنا لكن المشكلة عندما نجهل أننا نهرب من أنفسنا من الأساس، فكما يقولون إذا وجد السبب بطل العجب، ونصف العلاج في تشخيص المرض. لذا فإن المشكلة أبسط بكثير إن نحن فهمنا أنفسنا والسبب الذي يجعلنا نهرب منها فلا يبقى حينها سوى الوصول لحل يمنعنا من الهرب، لكن ماذا لو كنّا لا نزال لا نفهم أنفسنا ولا ندرك حالنا معها وأننا في فرار دائما منها؟

إن نفسي أو نفسك أو نفسكِ هي رفيقتنا الدائمة والعالمة بكل أحوالنا وتقلباتنا ورغباتنا لذا ففهمها واستيعابها ما هو إلا أول خطوة نحو التوصل إلى سلام نفسي وسلام مع العالم أجمع فمن هو غاضب عن العالم كله على الأغلب هو غاضب على نفسه أولاً فإن طهرها وتواصل معها لوجد طريقة لإصلاح العالم بدلاً من الغضب منه، فكل شيء مركزه النفس وأساسه الذات.

طبعاً أنا لا أقصد أن نشرع في التحدث مع أنفسنا فنبدو كالمجانين ولكنني أقصد التواصل مع النفس وليس التحدث معها بالتحديد. ومن الطرق الفعالة في التواصل مع الذات كتابة مذكرات يومية يذكر فيها الشخص ما يزعجه وما يسعده فيفهم ما الذي يؤثر فيه. أيضاً إمضاء بعض الوقت وحيداً تماماً كل يوم يساعد في تواصل الإنسان مع ذاته وأفكاره ومع من يكون من الداخل، وأقصد هنا الوحدة التامة لا أن يكون برفقة البلاك بري أو جهازه المحمول (للأسف وسائل الميديا المختلفة تشجعنا على الهروب من أنفسنا وتشجعنا على متابعتها بدل متابعة أنفسنا) فلتذهب مثلاً لمقهى وتناول قهوتك وحيداً على طاولة لوحدك وراجع نفسك وقراراتك في الحياة وطريقة سير حياتك وفي حال لم تكن راضياً عنها وماذا تريد تغيره أو إضافته لجدول أعمالك، كهواية الرياضة أو غيرها. طبعاً، استخدام قلم وورقة يساعد كثيراً. قد تشعر في البداية بالوحدة أو أنك لا تستطيع مواجهة نفسك لكن سرعان ما ستجد طريقة تتواصل بها مع نفسك فهي نفسك أولاً وأخيراً، وحينما تنجح أخيراً في التواصل مع نفسك، ستصبح رفيقتك المفضلة وصديقتك الوفية.

لا تعنف نفسك كثيراً ولا تكثر من تأنيب الضمير فأصحاب النفوس المجروحة يعجزون عن التقدم والتطور والإبداع، ولتكن لديك ثقة في نفسك وفي قراراتك وفي اختياراتك وفي من تكون. الشعور بالرضى عن نفسك هو من أهم المشاعر البناءة والتي لا يمكن أن تبنى على حدس كاذب فأمام نفسك أنت عار تماماً وإن أقنعت الناس جميعاً أنك راض عن شكلك أو وظيفتك أو علاقتك فلن تستطيع إقناع نفسك بأنك راض عنها إن لم تكن بالفعل راضياً عنها، فهي نفسك فلا تحملها أكثر من طاقتها وحاول إصلاح أخطائك وطلب السماح ممن أخطئت بحقهم ومسامحة من أخطأ في حقك حتى ترضى عن نفسك وتعيش في محبة وتناغم معها.

إن علاقة الإنسان بذاته مهمة جداً ففي أحيان كثيرة تكون أنفسنا معذبة ومتألمة في داخلنا لسبب أو لآخر ولعدم إدراكنا لذلك ترسل لنا رسائل مختلفة عن طريق بعض الأمراض الجسدية أو الكوابيس أو التوتر والغضب الدائم أو الأرق وهذا كله يدل على أن هنالك خطب ما في نفس الإنسان وللأسف الإنسان الذي قد اعتاد هجر ذاته لن يتمكن بسهولة من التواصل معها ومعرفة السبب خلف أي من الأعراض السابقة التي تصيبه.

في الختام ليس من السهل التواصل مع الذات والتزام والوضوح معها ففي أحيان كثيرة يكون الهرب أشد إغراء لكن النتيجة تستحق المعاناة ولن تجد في هذه الدنيا كلها من هو أسوء حالاً من شخص غريب لا عن وطنه ولا عن أهله وإنما عن نفسه التي ترافقه أينما ذهب، فأي شخص واعٍ هو هذا؟

 

أحدث التعليقات