نحنا والخوف جيران

من أغاني فيروز المعروفة والمفضلة عندي أغنيتها “نحن والقمر جيران”، وهي السبب خلف تسميتها بـ”جارة القمر”، ولطالما كانت جيرة القمر بالنسبة لي أمراً ساحراً وجذاباً فمن قد لا يرغب في مصاحبة ذلك الكائن المشع البعيد الصافي ويشرب معه فنجان قهوة ليلية ويخبره عن مكنونات صدره وعن ما يؤلمه في هذه الحياة.

أحب أغنية فيروز وأحب ترديد لحنها أيضاً غير أنني اكتشفت اليوم بينما نغمات فيروز الصباحية أنني لست جارة للقمر ولن أكون طالما أنا والخوف جيران، فمن يقبل بالخوف جاره الذي يصبح ويمسي عليه ويعرف كل شؤونه وأموره لن يصل للقمر ولن يجاوره مهما تمنى ذلك ورغب به.

أجل الخوف جاري وصديق طفولتي الذي لعبت معه بدماي الجميلة عندما كنت صغيرة ولعب معي بأوراق حياتي الجميلة عندما كبرت وغلبني في كل المرات وهزمني رغم كل المحاولات وكان دائما سيد الموقف وسيد حياتي والرجل الذي أعجز عن مقاومة سحره وإقفال باب غرفتي في وجهه إن هو قصدني ليلاً حتى بتّ أتلحف الخوف لا لحافي حين يحضنني ويغني لي أغنية مخيفة قبل النوم.

في الصباح عندما أستيقظ أجده جالساً بجواري وبين يديه فنجان قهوة من خوف يقدمها لي كي أشربها على عجل خوفاً من أمر آخر أو من أمر لا أعلم حتى ما هو. وسط خزانة ملابسي أجد الخوف أيضاً جالساً ومربعاً قدميه ومبتسما لي ثم يقول كما يقول دائماً: ” لا تقلقي حبيبتي سأكون دائما بجواركِ!” يسعدني وجوده أحيانا فعلى الأقل لست وحيدة وعلى الأقل كما يقول الكثيرون الحذر والخوف خير من التسرع والتعجل لكن منذ متى كان التعقل والخوف صديقان وحبيبان؟ وكيف يعقل أن يصادق الخوف غيري ولا يخبرني. فعلاً، أنا أغار على الخوف فهو لي أنا وحدي دائماً.

آه منك أيها خوف فأنا أخاف أن أفقدك فأي حب تراجيدي هو هذا الذي نقع فيه إن نحن أغرمنا بالخوف وغرنا عليه وبحثنا عنه وافتقدناه. إن ملأتنا الشجاعة وتحمسنا لأمر ما، فنحن نخاف أن لا نخاف ونخاف أن نخاف. كنت دائما أعتقد أن قصص الحب العتيقة التي ملأت مسامعنا هي التراجيديا الحقيقية كقصة قيس وليلى وعبلة وعنتر ،لكن منذ قابلت الخوف، أيقنت أن هذه هي التراجيديا الحقيقة لا قصص الحب تلك، وأن علاقة كل مواطن عربي بالخوف هي علاقة حب أبدية نعيشها في مجتمعاتنا. فعندما نستيقظ من النوم وقبل أن نفكر في أي أمر أو نتحرك من فراشنا نبحث عن الخوف الذي نمنا على صوته البارحة فكأننا في ساعات نومنا نفتقده حتى وإن كانت أحلامنا ذاتها يملؤها الخوف ويعشش فيها.

السؤال هو هل من الممكن أبداً أن نغير عنواننا ونسكن في مكان آخر بعيداً عن حبيبنا الخوف؟ ألم نتجاوز زمن التملك والقمع ودخلنا حقبة الحرية؟ أم أن الحرية تشمل الحرية من كل شيء إلا من الخوف لأنه منا وفينا ومعنا دائما، فهو نصفنا المكمل لنا في كل شيء.

أنا شخصيا قد أرهقني الوقوع في حب هذا الغول والسفاح المجاور لداري وتمنيت لو أغني له بكل طلاقة ما غنت أم كلثوم وأقول له: “أعطني حريتي أطلق يديا، إنني أعطيت ما استبقيت شيئاً”. أجل لقد أعطيت كل شيء لهذا الغول ولم يشبع ولم يكتفي. أعطيته سنين من حياتي وجهدي وأعصابي وتفكيري وخططي وتعبت تعبت كثيراً من إعطائه المزيد والمزيد مني ومن وقتي وحياتي لهذا سأرفض هذه الجيرة ولن أقبل به جاراً لي لكنني لن أغير عنوان سكني ولن أبيع منزلي وأبحث عن غيره هروباً من الخوف بل سأواجه.

سأحمل المكنسة في يدي وأدق على بابه وأهاجمه وآمره بالخروج من حياتي وتغير عنوان سكنه إلى بلاد أخرى وموطن آخر بعيداً، بعيداً عني، وسأهدده بأنني إن لمحته مرة أخرى فستكون نهايته على يدي فلقد سأمته جداً جداً! ومن الطبيعي أن يرحل فوراً ولا يعود أبداً فهو الخوف وكيف للخوف أن لا يخاف؟

أنا لم أخلق كي أخاف ولم يجعلني ربي عز وجل أنا وغير ي من البشر خليفة له في أرضه كي نزرع هذه الأرض خوافاً ورعباً، بل كي نملؤها اطمئناناً وثقة وحباً وأملاً لذا لن أدع هذا الغول يقترب مني أو من أفكاري مرة أخرى وسأقف له بالمرصاد وسأقف لقلبي الضعيف أمامه بالمرصاد أيضاً حتى يتمكن من الوقوف على قدميه بعيداً عن هذا الخوف فيكون حراً طليقاً في قراراته وعاطفته وشوقه وحبه.

لقد سئمت! سئمت هذا الخوف وأود أن أنادي بأعلى صوتي أن لا خوف بعد اليوم! لا لن ينام الخوف بجواري ويشاركني لحافي ومخدتي وأحلامي! لن أرضى بهذا التنازل الكبير لهذا الخوف الصغير. أجل، إنه خوف صغير تافه لا يستحق أن أخافه أو أن أفكر فيه أو أحمل همه. سأتجاهله وسأبدأ من جديد دون خوف وترقب. سأبدأ من جديد طريق حياتي بطمأنينة وثبات ويقين في الله عز وجل.

في الختام، أيها الخوف العزيز فلترحل بعيداً ولتدعني في حالي فما عادت غرفتي تتسع لك وما عاد لك مكان في حياتي فلترحل اليوم بعيداً وإياك أن تعود! إياك أن تعود أبداً!

 

أحدث التعليقات