ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

الصفحة الرئيسية  /  كتابات  /  مقالات /  أهازيج صوفية  / ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

كانت أبيات شعرٍ نُظمت في العصر العباسي

نَظَمَها القريضَ أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (767-820م)، الإمامُ الذي احتلَّ مكانةً رفيعةً كواحدٍ من الأئمةِ الأربعةِ عند أهل السنة والجماعة. أسَّسَ المذهبَ الشافعيَّ في الفقهِ الإسلاميِّ، وكان أولَ من وضعَ علمَ أصولِ الفقه، إضافةً إلى براعتهِ في علمِ التفسيرِ والحديث.

عملَ قاضياً، واشتهرَ بالعدلِ والذكاءِ في أحكامهِ. إلى جانب العلومِ الدينيةِ، كان الشافعيُّ شاعراً فصيحاً، يُدهشُ بأسلوبهِ، ورامياً ماهراً، يتقنُ التصويب، ورحّالاً كثيرَ السفرِ، ينقلُ الحكمةَ والعلمَ أينما حلّ.

نالَ تقديرَ العلماءِ وثنائهم، حتى قالَ عنهُ الإمامُ أحمدُ: «كان الشافعي كالشمسِ للدنيا، وكالعافيةِ للناسِ».

الأبيات

وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي

جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما

ما بعد الأبيات

تأخذنا هذه الأبيات في رحلة إلى أعماق ذواتنا، إلى حيث قلوبنا حين تقسو وتتصلب. والقسوة هنا ليست محصورة في الابتعاد عن العبادات والممارسات الدينية كالصلاة والعبادة، بل تمتد إلى القسوة بمعناها الأوسع. إنها القسوة التي تُبعدنا عن التعاطف مع الآخرين خارجيًا، وعن العيش بصدق مع مشاعرنا داخليًا. تلك القسوة التي تغلق أبواب قلوبنا أمام الفرح والحزن على حد سواء. قد يكون هذا بسبب ما عايشناه من ألم وحزن، أو ربما بسبب ما ألحقناه بالآخرين من ظلم دون أن نملك الشجاعة للاعتراف به. وعوضًا عن مواجهة هذه المشاعر، نختار الهروب، فنغلق قلوبنا ونكبلها، ليصبح الأصل – القلب – مغلقًا، معطلًا، مكسورًا. وعندما نصل إلى هذه النقطة، نجد أن الحياة تضيق بنا وطرقها تصبح مسدودة، لأن المفتاح الرئيسي، القلب، لم يعد يعمل كما يجب.

إن للقلب في شريعتنا الإسلامية مكانة عظيمة، وقد ورد ذكره في الكثير من الآيات كعنصر رئيسي يتحكم في أفعال الإنسان وتوجهاته، بل ويُعزى إليه العقل والتعقل. من ذلك قوله تعالى:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

فما هو الحل لقسوة القلب؟

الحل يكمن في الدعاء. في الرجاء. في التوجه إلى الله الأحد. أليس “الرحيم” أحد أسمائه الحسنى؟ كيف للقلب أن يتعلم الرحمة، والتفهم، واللين، إذا لم ينهل من مصدر الرحمة الأول، الله سبحانه وتعالى، الذي وسعت رحمته كل شيء، داخلًا وخارجًا؟

هذا ما يصفه الإمام الشافعي في هذه الأبيات. في لحظة القنوط، الجمود، والقسوة، يدعونا إلى رفع أيدينا إلى الله. أن نرجوه، أن نبكي في حضرته، أن نطلب منه العفو. العفو عن أخطائنا، وعن ما اقترفناه بحق الآخرين، وما تركته أخطاء الآخرين في نفوسنا من وجع وألم.

ومع الدعاء المستمر، ومع كثرة الرجاء والطلب، يبدأ القلب باللين، وتقترب درجاتك أكثر نحو الله. فإن الله يحب العبد اللحوح، وهذا اللجوء الدائم إليه هو السبيل الوحيد لإحياء قلوبنا وإعادة الحياة إليها.

صارت أبيات شعر تُغنى في عصرنا الحالي

تقدم شاما، الفنانة المغربية المتميزة، رسالة فنية فريدة تعكس إيمانها بأن الموسيقى هي وسيلة لإحياء الذكريات وربط الأجيال بالحضارات المختلفة. تقول شاما في قناتها على “يوتيوب”: “الموسيقى القديمة لا يجب أن تُنسى، وإعادة إحيائها هي طريقتنا لتذكير أنفسنا والأجيال القادمة بها.” بأسلوب بسيط وصادق، تعيد شاما إحياء الموسيقى القديمة بمساعدة منتجين موهوبين أو حتى بوجودها مع غيتارها فقط، لتنفخ الحياة في تراث موسيقي عريق بطريقة عصرية.

في عام 2022، أصدرت شاما أغنيتها الجديدة بعنوان “البراقية”، والتي هي نسخة محدثة عن الأغنية المغربية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم. تتضمن الأغنية أبياتًا مغناة من قصيدة “البراقية” التي نظمها سيد المكي أيوب، وهي عمل شعري روحاني يحتفي برحلة الإسراء والمعراج، مستعرضةً رمزية البراق في مرافقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تعبر القصيدة عن مشاعر الحب والتقدير للنبي الكريم، وتتسم بوصفها العميق للمعجزة الإلهية من خلال بلاغة رفيعة.

من خلال هذا العمل، تمكنت شاما من دمج التراث المغربي الأصيل مع الإبداع الموسيقي الحديث، ما منح الأغنية لمسة جديدة دون أن تفقد جوهرها القديم. وقد نالت الأغنية إعجابًا واسعًا، ما يؤكد قدرة شاما على تقديم التراث الفني بطريقة مبتكرة تحترم الماضي وفي نفس الوقت تخاطب المستقبل.

ما يميز الأغنية هو اقتباسها لبيت شعر الإمام الشافعي، الذي جاء في وسط كلمات “البراقية”، مما يتناغم مع روح الأغنية وموضوعها.

سبق وساروا في طرق القلب والعشق، ونهلوا منه جميل الفن والشعر، وآن الأوان لنعيد الكرة، وننهل من حبه فناً وشعراً، ونتخذ من ذكره أسلوب حياة!

المصادر:

أحدث التعليقات