الكتب الورقية حاضرة وبقوة لدى القارئ العربي، والكلمة المنقولة هي المؤثر الأول على خياراته

في ظل تصاعد الاهتمام بالقراءة والثقافة في العالم العربي، كشفت دراسة حديثة أجرتها مجموعة «سياق» بالتعاون مع «بيت الحكمة» خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ43، عن توجهات القراء العرب وتفضيلاتهم الثقافية. أجري الاستطلاع على أكثر من 500 زائر، ما بين 6 إلى 17 نوفمبر 2024، مستهدفاً فئة القراء والمثقفين الذين تجاوزت أعمارهم 18 عاماً، مع مشاركة بلغت 86.85% من داخل دولة الإمارات، من مواطنين ومقيمين على حد سواء.

الكتب الورقية تحتفظ بمكانتها

أظهرت الدراسة أن الكتب الورقية لا تزال الخيار المفضل لدى القارئ العربي، إذ أبدى 91.10% من المشاركين تفضيلهم لهذا النوع من الكتب، مع إمكانية اختيار أكثر من خيار واحد. ورغم التوقعات بازدياد الإقبال على الكتب الإلكترونية، جاءت النسب متواضعة نسبيًا، إذ فضّل 14.02% الكتب الإلكترونية، و10.42% الكتب الصوتية. تعكس هذه النتائج العلاقة العميقة التي تجمع القارئ العربي بالكتاب الورقي، رغم الانتشار الكبير للتقنيات الحديثة. ويمكن عزو هذا التفضيل المرتفع إلى طبيعة الفئة المستهدفة من الدراسة، والتي حضرت معرض الشارقة الدولي للكتاب، ما يدل على اهتمام خاص بالكتب الورقية. أما تقارب النسب بين الكتب الإلكترونية والصوتية، فيمكن تفسيره بالطبيعة الثقافية والتاريخية للمنطقة التي تميل إلى التقاليد الشفهية، حيث يعكس الكتاب الصوتي استمرارية واضحة لهذه العلاقة.

الكلمة المنقولة وتأثيرها العميق

من أبرز نتائج الاستطلاع أن الكلمة المنقولة، سواء من الأهل أو الأصدقاء، هي المؤثر الأول على خيارات القراء. فقد أفاد 43.75% من المشاركين بأن توصيات المحيطين بهم تلعب دورًا حاسمًا في اختيار الكتب أو حضور الفعاليات الثقافية، مع إمكانية اختيار أكثر من خيار واحد. يعكس ذلك الطبيعة الشفهية لمجتمعاتنا العربية، حيث تشكّل العلاقات الشخصية والتفاعل المباشر مصادر رئيسية لنقل المعرفة والثقافة.

دوافع القراءة: نافذة على الآخر

جدير بالذكر أن الاستطلاع منح المشاركين فرصة الإجابة عن بعض الأسئلة بأكثر من خيار واحد، ما أتاح استيعابًا أوسع لتوجهات القراء. فعلى سبيل المثال، عند الحديث عن أسباب اهتمام المشاركين بالقراءة والثقافة، فقد جاءت رغبتهم في التعرف على وجهات نظر الآخرين والتواصل معهم في المرتبة الأولى بنسبة 42.42%. يلي ذلك السعي للحصول على المعرفة والإجابة عن التساؤلات العلمية بنسبة 37.31%. تعكس هذه النتائج أهمية الكتاب كوسيلة لفهم الآخر، في ظل سياق ثقافي يعتمد بشكل كبير على الشفاهية وتبادل الأفكار في الأوساط الاجتماعية. كما تتوافق هذه النتيجة مع ميل أغلب الناشرين العرب إلى نشر الكتب المترجمة.

تحديات تسويقية وثقافية

أبرزت الدراسة تحديات تسويقية تواجه دور النشر ومنظمي الفعاليات الثقافية، أهمها انتشار الطبيعة الشفهية وتأثيرها على جهود التسويق التقليدية للكتب والفعاليات. كما أظهرت الدراسة أن الأسعار تلعب دورًا محوريًا في قرارات الشراء؛ إذ أفاد 37.31% من المشاركين بأنهم يترددون في شراء الكتب إذا تجاوز سعرها 50 درهمًا، فيما أشار 24.62% إلى أن سقف السعر المقبول بالنسبة لهم هو 100 درهم.

رؤية استشرافية

تؤكد نتائج هذه الدراسة مكانة الكتاب الورقي في الثقافة العربية، وتبرز الدور المركزي للعلاقات الاجتماعية في تشكيل خيارات القراء. ورغم محدودية عينة الدراسة، فإنها تقدم صورة واضحة عن توجهات القارئ العربي، ما يتيح الفرصة لدراسات مستقبلية أوسع لفهم أعمق. وتوصي مجموعة «سياق» بتطوير استراتيجيات تسويقية تدمج بين التواصل الشفهي التقليدي والتكنولوجيا الحديثة لضمان تلبية احتياجات القارئ العربي ودعم جهوده الثقافية.

مجموعة «سياق»: دعم الثقافة والمثقفين

كمجموعة تطوعية مقرها الشارقة، تسعى «سياق» إلى دعم المثقفين والمبدعين العرب عبر لقاءات ومبادرات تسهم في تطوير المشهد الثقافي. تدعو المجموعة دور النشر والمراكز الثقافية إلى الاستفادة من هذه النتائج في تعزيز البرامج التي تلبي احتياجات القارئ العربي، بما يتماشى مع طبيعته الثقافية والاجتماعية.

تتشارك في قيادة المجموعة: أسيل يوسف بصفتها داعمة تشافي، وحفصة حريقة بصفتها داعمة أدبية، وهدى عبدالرحمن بصفتها داعمة نفسية.

خاتمة

تؤكد الدراسة أن الكتاب الورقي والكلمة المنقولة يظلان حجر الزاوية في المشهد الثقافي العربي، ما يفرض على العاملين في هذا المجال تحدي التكيف مع المتغيرات وتطوير أدوات مبتكرة للتواصل مع الجمهور وتعزيز النشاط الثقافي في المنطقة.