محمود شقير، كاتب وروائي فلسطيني يكتب القصة والرواية لمختلف الفئات العمرية (الكبار والفتيان والفتيات)، يبلغ عدد مؤلفاته الخمسة وأربعين كتاباً، وكتباً وستة مسلسلات تلفزيونية طويلة، وأربع مسرحيات، كما قد ترجمت قصصه إلى لغات مختلفة كالإنجليزية والفرنسية. شغل مواقع قيادية مختلفة في رابطة الكتاب الأردنيين وفي الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين. وهو حائز على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع سنة 2001 وهو عضو في لجنة الجائزة منذ سنة 2012 إلى سنة 2013.
رواية «مديح لنساء العائلة» لمحمود شقير – التي قامت بنشر طبعتها الثالثة دار نوفل – هاشيت أنطوان سنة 2016 في بيروت ورشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية – هي تصوير على المستوى الجزئي أو الفردي للخلية الأولى في المجتمع الفلسطيني وهي العائلة الفلسطينية، وتكمن أهمية الرواية في تصويرها للعائلات الفلسطينية بصورة طبيعية بعيداً عن القضية الفلسطينية – على الرغم من أهميتها- ويقول بطل القصة في هذا الشأن متحدثاً بالنيابة عن عائلة عبد اللات : “ولمّا انتبهنا إلى أن الأوضاع باقية على حالها إلى أمد غير معلوم، أدركنا أنه لا يعقل أن نظلّ في حالة استنفار، بحيث نواصل حرمان أنفسنا من أبسط المتع التي يمكنها أن تعيننا على تحمّل الأعباء.” (ص. 9-10)

إن رواية كهذه لا تنكر أو تهمش الأحداث التي لا تزال تحدث إلى اليوم على أرض فلسطين، ولكنها تدون وتوثق تاريخ العائلة الفلسطينية من منظور ومنطلق لم نتعود على قراءته أو الاطلاع عليه من قبل وهو المستوى المايكرو أو الجزئي. تلك الشؤون الصغيرة التي تحرك الخلية الأساسية في المجتمع الفلسطيني، علاقات الحب والهيام والشغف والإرث العائلي ونشأة وتأسيس الأحزاب الفلسطينية كلها مواضيع تطرقت لها الرواية من منظور سلس وواضح بعيداً عن الانتماءات السياسية أو الأيديولوجية التي قد تحمل الرواية أكثر من طاقتها كمشروع فني أو أدبي.
يمثل المستوى الجزئي “العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص خلال التواصل الفردي (وجهاً لوجه)” ويشتمل على “العائلات والأصدقاء وزملاء العمل” أما المستوى الكلي فيعود على “الطبقات المختلفة والمنظومة السياسية. (Lie & Brym, 2002, p. 5) ” ووفقاُ للتعريفين السابقين، نجد أن أغلب الروايات العربية تعرض المجتمعات العربية وغيرها من المجتمعات من منظورها أو مستواها الكليّ متجاهلة المنظور الجزئي الذي قد يحمل في طياته قيمة أكبر للباحث والقارئ الذي يبحث عن ما هو وراء الصورة العامة للمجتمعات التي تتشابه كثيراً؛ في حين أن المنظور الجزئي يمثل المميزات الصغيرة والمهمة التي تميز المجتمعات المختلفة عن بعضها.
يساهم “المنظور الجزئي [أيضاً] في إسقاط الضوء على العلاقات الديناميكية في نطاق الإطار الأسري، الذي يتميز بأهمية كبيرة فيما يتعلق بفهم طرق ووسائل تمكين المرأة… وعلى عكس ما يمثله المنظور الكلي من ملاحظات متعلقة بما يحدث، يمثل المنظور الجزئي فهماً للأسباب التي أدت إلى حدوث ما حدث.” (Women’s Empowerment، 2016) لذا نجد أن الأسرة كوحدة بناء المجتمع تمثل المنطلق الأول للنظريات الجزئية، وهذا بالضبط ما تطرق له محمود شقير بتوسع في روايته «مديح لنساء العائلة» ، إذ ينعكس ذلك من كلمة “العائلة” المذكورة كثيراً بين صفحات الرواية وفي عبارة أخيرة قالها البطل: “إنني شرعت في تدوين وقائع حياة العائلة وكذلك العشيرة. الوقائع المتوافرة لدي من بعض كبار السن، أو التي استخلصتها وأستخلصها من حكايات أمّي وأخبارها، وما اشتملت عليه حياتي وحياة بعض أبناء العائلة وبناتها، وكذلك أبناء العشيرة وبناتها، من تفاصيل وخبرات.” (ص. 201)
يقدم محمود شقير الرواية على لسان محمد بن منّان العبد اللات الملقب بـ”الأصغر”، والذي طلب منه والده أن يتحمل مسؤولية العائلة فيقول: “أعلن [أبي] مرّات عدة أمام أبناء العائلة أنه يضع ثقته فيّ، ويعلق أمالاً عليّ، بأن أجمع شتات العائلة.” (ص.10) يستمر محمد الأصغر برواية التفاصيل الصغيرة للعائلة بصورة مثيرة للاهتمام مصوراً بذلك العديد من التغيرات التي طرأت على الأسر الفلسطينية منها موجة الحداثة التي أدت لتغير جذري في ملابس النساء وبشأن ذلك يقول متحدثاً عن نجمة زوجة عمه عبد الودود: “كانت على قناعة بأن تصرفها كان صحيحاً … إلا أن العائلة كان لها رأي آخر، خصوصاً عندما خلعت نجمة ثوبها الطويل ولبست الفستان.” (ص. 40)
إلا أن الكاتب يستعير في بعض المقاطع لسان أبطال آخرين فرعيين كإخوة محمد الأصغر، ومع ذلك لم يروِ أياً من مقاطع الرواية على لسان إحدى البطلات الفرعية، إذ لا وجود لبطلة أساسية، ولعل ذلك كان محاولة من الكاتب لعكس إحدى صفات المجتمع الفلسطيني الذي – كغيره من المجتمعات العربية – حتى حين الحديث عنه بصورة جزئية تعنى بالنساء والأطفال والأسرة لا نجد صوتاً للنساء وهذا ما يعكسه عنوان الكتاب أيضاّ بأنه «مديح لنساء العائلة» الفاضلات واللواتي لا يملكن صوتاً خاصاً بهن لذا توجب على الرجال الحديث عنهن ومدحهن، ويقول محمد الصغير بشأن اضطهاد النساء: “كنت أربط بين ظلم النساء وضياع البلاد، وأقول لبعض الأصدقاء: لن نتمكّن من تحرير البلاد ما دمنا نظلم النساء.” (ص. 90) إذن ربما كان في الرواية رسالة توعوية مفادها أن النساء الفلسطينيات يحتجن لاسترداد أصواتهن!
تتطرق الرواية للعديد من المواضيع التي تمس الأسرة الفلسطينية وتدون تاريخها في الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية وهي فترة ما قبل النكبة، وفترة الانتداب في الأربعينات، ثم ما بعد نكبة سنة 1948، ولعّل من أبرز هذه المواضيع تعدد الزوجات إذ تزوج والد محمد، منان، ست زوجات أنجب منهن “ثمانية عشر ولداً وتسع بنات” (ص.199) ونسبة الظواهر الغريبة للسحر والعين الذي تطرق لهما الراوي في مقاطع عديدة تحدث فيها عن أمه التي “لا تكتفي بالتأكيد على أنّ الجن يسكنون [معهم]، بل كانت على قناعة بأن المكان الذي بنى [أبوه] بيتنا عليه مسكون بأرواح أجداد قدماء قاتلوا وقُتلوا وسالت دماؤهم فوق هذه الأرض. تنطلق أشباحهم في الليل باحثة عن فرصة للثأر.” (ص. 67)
تنتهي الرواية بوصف لوفاة منان العبد اللات الذي عاش “الهزائم كلها من كارثة ثمانية وأربعين إلى هزيمة سبعة وسّتين، وتجرّع الألم والحزن والذل مثلما تجرعه مئات الآلاف من أبناء شعبه [و] كان محباً لوطنه، ميالاً في بعض الأوقات إلى المهادنة والانزواء خوفاً من جور الحكام أو من بطش المحتلّين” وهو الذي قال: “النفس لا تهرم يا ولدي، وتظلّ الرغبة في البحث عن الشيء المفقود الذي نتوق إليه [باقية] فيها، وعندما تثور تلك الرغبة تصير مصدراً للعذاب.” (ص.199)
تغوص رواية «مديح لنساء العائلة» في عمق البعد الشخصي والاجتماعي للعائلة الفلسطينية بعيداً عن الاحتلال الذي حتى وإن ظهر تأثيره على التغيرات التي طرأت على العائلة الفلسطينية إلا أنه ليس من أبرز المواضيع التي تطرق إليها الكاتب. رواية تستحق القراءة ولها فائدة كبيرة للباحثين في الشأن الفلسطيني.
المراجع:
Lie, J., & Brym, R. ( 2002). Sociology: Your Compass for a New World. Belmont: Wadsworth Publishing Co Inc.
Women’s Empowerment: The Importance of Micro Level Indicators. (2016). Development Outlook .
Lie, J., & Brym, R. ( 2002). Sociology: Your Compass for a New World. Belmont: Wadsworth Publishing Co Inc.
Women’s Empowerment: The Importance of Micro Level Indicators. (2016). Development Outlook .
أحدث التعليقات