الصفحة الرئيسية / مراجعات / خمسون حكمة حول العالم / مشروع «خمسون حكمة حول العالم»
بعدما تملكتني روح آندي ميلر عبر كتابه «سنة القراءة الخطرة: كيف استطاع خمسون كتاباً عظيماً إنقاذ حياتي» الذي نشرته دار كلمة سنة 2017 في بيروت بعد أن نقله محمد الضبع عن الإنجليزية، وقعت ضحية الموضوع ذاته الذي تطرق إليه: القراءة.
أعتقد أن القراءة هي أكثر الأفعال خصوصية، فهي امتزاج الذات بالكلمات وشوق الخيال بالمستحيل. إنها من المواضيع التي قلّما نتكلم عنها. نحن نتكلم عن الكتب التي قرأناها، ولكننا نادراً ما نتكلم عن فن القراءة ذاته، عن النشوة الروحية التي تصيبنا عندما نمتزج مع الكلمات.
يقول ميلر في كتابه: “ما الذي استفدته من القراءة عندما كنت طفلاً؟ لقد أطلقت القراءة العنان لمخيلتي، ومنحتني مهرباً – برغم أن هذا الكلام مبتذل، ولكنه حقيقي. كان كل شيء في عالم القصص منسجماً، وعادلاً، وغالباً ما وجدت أنه من الأسهل قضاء الوقت هناك، بدلاً من قضائه في عالم الوحل والحيرة، الذي يعيش فيه الجميع. أياً يكن، ما كسبته من القراءة كان أنها الشيء الوحيد الذي برعت فيه. لقد كانت موهبتي التي ولدت معي، صوتي الذهبي، معجزتي.” (ص. 186) يتابع كلامه في الصفحة التالية: “قرأت مؤخراً مقالاً يتحدث عن أكثر هدايا أعياد الميلاد المخيبة للأمل، وكانت البطاقات مسبقة الدفع لشراء الكتب في السبعينات. ولكن لم تكن هذه تجربتي. لقد أحببت تلقي الألعاب كهدايا، ولكني اعتبرت بطاقات شراء الكتب أشبه بتذاكر ذهبية تأخذك إلى أرض من الخيال المحض، وأيضاً تأخذك إلى فرع دبليو إتش سميث (WHSmith) في مركز المدينة” وكانت لي تجربة مماثلة لتجربته. أحببت الكتب منذ الصغر. كانت أرض الخيال موجودة فعلياً بالنسبة لي: مكتبة جرير في العليا، الرياض، المملكة العربية السعودية.
في الصيف، عندما كنت أعود مع عائلتي إلى تونس، كان هنالك سؤال واحد يتردد كثيراً: كيف تستطيعين العيش في الرياض؟ كانت إجاباتي مختلفة. مرّة أبرر ذلك بأصدقائنا ومعارفنا، وأخرى بأننا كنّا نعيش في مجمع سكني جميل. أمّا الحقيقة فهي أن ما مكنني من العيش في الرياض حينما كانت نشاطات وتحركات الفتيات والنساء محدودة جداً هو الكتاب. كانت الكتب منقذي. كانت هي مهربي وملجئي الوحيد.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 14 سنة على مغادرة المملكة العربية السعودية، لا أزال أبحث عن ملجئي بين الكلمات، عن مخرج وسط هذه الفوضى التي تسمى الحياة. لكن الكلمات ليست كل ما أبحث عنه، فأنا في رحلة بحث أعمق هذه المرة. أنا في رحلة البحث عن المعنى المتمثل في الحكمة، فقد قررت أن أبحث عنها في 50 كتاباً. ستكون الكتب منوعة ومن دول العالم المختلفة، وسأكتب عنها هنا كما كتبت عمّا يقارب 40 كتاباً من قبل. الفارق الوحيد هو أنني لن أقوم بتقييم الكتب كما فعلت من قبل، بل سأعصرها حتى أستخرج الحكمة منها.
ستمرّ رحلتي بـ 50 دولة أزورها عبر كتّابها. فإن كان الكاتب فرنسياً، حطت طائرتي في فرنسا، وهكذا ودواليك.
كما سأتبع فيها منهج الصوفيين في التأمل والتفكر والبحث عن المعنى فقط دون إبداء الأحكام، في محاولة للتحرر من ذاتي الدنيا بحثاً عن ذات عليا متحدة مع الكون في كل زمان ومكان.
أحدث التعليقات