الحكمة (46): «المتعاطف» لفاييت ثانه نغويين

الصفحة الرئيسية  /  مراجعات  /  خمسون حكمة حول العالم  / الحكمة (46): «المتعاطف» لفاييت ثانه نغويين

أقف اليوم في محطتي السادسة والأربعون: الفيتنام.

ساخراً من الحكم المطلق على التجارب والأشخاص والمواقف، يستهل فاييت ثانه نغويين رواية «المتعاطف»، التي نشرت طبعتها العربية الأولى الدار العربية للعلوم ناشرون في عام 2017 في بيروت، باقتباس عن نيتشه يقول فيه: “لنتريث قليلاً فلا نكتئب حالما نسمع بكلمة “تعذيب”: ضمن هذا السياق تحديداً، هناك أشياء كثيرة تُعطى في المقابل شأنها أن تخفف حدة الكلمة – حتى يكاد معناها يبدو مثيراً للسخرية.” (ص. 5)

وكذلك يتبين للقارئ العزيز أنها رواية ساخرة بالمقام الأول. رواية تسخر من كل شيء، بما في ذلك القيم الثابتة التي قد يَقتل المرء بسببها أو يُقتل. فعندما يتعاطف المرء مع الطرفين بالتساوي، يصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يؤمن بثبات قيم وتوجهات أي الطرفين على حساب الآخر، فبالنسبة للمتعاطف، كل السرديات مقبولة وممكنة بالتساوي.

وهذا ما عبّر عنه بطل الرواية، الجاسوس والمتعاطف، في أولى صفحاتها معترفاً: “أنا شخصية تؤدي دورين. ربما ليس من المستغرب أيضاً أن يحتوي رأسي على عقلين أو أكثر. لا تسيء الظن بي الآن فتحسبني كائناً خرافياً من إحدى مجلات الصور الهزلية أو شخصية من أفلام الرعب… إنني ببساطة أمتلك موهبة النظر إلى أي مسألة من جوانبها كافة. أحيانا أفتخر بنفسي فأقول إنها موهبة نادرة، لكن لا بد من القول إن ذلك شيء تافه، أو إنه أقصى ما لدي من مواهب. وفي أحيان أخرى، حين أفكر في عدم قدرتي على كبح نزواتي فأضطر للنظر إلى العالم كله بتلك النظرة، أتساءل عما إذا كان الأمر يستحق أن يسمى موهبة.” (ص. 7)

يتماهى المتعاطف في وصف انفصامه، وينقل القصة في تفاصيلها الحية، منذ بدايات سقوط نظام الجنوب الفيتنامي رأسمالي أمام الشمال الفيتنامي الشيوعي، وحتى عودت بعض القيادات الفيتنامية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفيتنام بعدما ضاقت ذرعاً بالمنفى.

إلا أن هذا الانقسام في حد ذاته ليس عضوياً، وإنما مسقط ومستحدث بتأثير القوى المستعمرة سابقاً، والإمبريالية لاحقاً. يصف الراوي بلاده قائلاً: انقسمت بلادنا إلى “شمال وجنوب، كما لو أننا اخترنا الانقسام والموت في حربنا غير الأهلية. ذلك صحيح جزئياً فقط. نحن لم نختر أن يخدعنا الفرنسيون، أو يقسموا بلادنا إلى إقليم غير مقدس في الشمال، والوسط، والجنوب، أو نلجأ إلى الدول العظمى من رأسمالية وشيوعية لتعمل المزيد من الانقسامات، ثم أعطونا أدواراً كجيوش في شطرنج الحرب الباردة التي تلعب في غرفة مكيفة الهواء بين رجال بيض يلبسون البدلات والأكاذيب.” (ص. 415 – 416)

يستمر الراوي المتعاطف في وصف تأثير هذا الانقسام على جيله، وعليه شخصياً كون أمه فيتنامية ووالده فرنسي، قائلاً: كان جيلي المقهور مقسماً قبل أن يولد، هكذا وجدت نفسي منقسماً منذ الولادة، أتيت إلى عالم ما بعد الولادة حيث بالكاد يتقبلني أي شخص على ما أنا عليه، لكن ذلك دفعني دائماً للاختيار بين الجانبين اللذين أنتمي إليهما. لم يكن هذا ببساطة أمراً صعباً – لا، كان مستحيلاً حقا، فكيف لي أن أختار نفسي ضد نفسي؟ كيف لي أن أكون شيئاً آخر غير أنا ونفسي؟” (ص. 416)

كان انقسام المتعاطف سببه في الأصل عمله كجاسوس لصالح الفيتنام الشمالي الشيوعي، متخفياً في ثياب الفيتنامي الجنوبي الرأسمالي. بدأ هذا الانقسام بانتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مهمة خاصة، كطالب بعثة، وجاسوس تحت التدريب. طبعاً، لم يكن الغرض من بعثته “دراسة المنشآت العملاقة والطرق السريعة، والأضرار المحتملة على البيئة، ومنظومات التصريف الصحي، وغيرها من المشاريع النافعة للبشر.” بدلا من ذلك المهمة التي تكلف بها هي تعلم طرق التفكير الأمريكية. الحرب التي كان يفترض أن يخوضها كانت حربٌ نفسية. ولتحقيق ذلك، كان عليه أن يقرأ التاريخ والأدب الأمريكي، ويتقن قواعد اللغة ويستوعب اللهجات العامية، ويدخن ويشرب ويجري المراهنات ويفقد براءته. (ص. 20 – 21)

هذا التعمق في معرفة الآخر بغرض الإطاحة به، كانت مهمته في بداية مهنته الجاسوسية، ولعنته حين اعتقاله من قبل الشمال الفيتنامي الشيوعي بعد رحلة عودته مع قادة الجنوب الرأسمالي. حاول اقناع سجّانه أنه يشاركه الانتماء والأيدلوجية، ولكن لم يكن كلامه مقنعاً، فقد تبنى هو نفسه طرق التفكير الأمريكية التي كان راغباً في دراستها وتحليلها، وأصبح منقسماً ومنفصماً، وانقلب السحر على الساحر.

ولكن هذا الفصام ذاته، هو الذي أوصله لحالة الوعي القصوى والحلول بجوانبه جميعاً، والتي يشير إليها المتصوفة والروحانيون بحالة “الفراغ” أو “اللا شيء”. “لكن ما معنى هذا؟” يتساءل الراوي ويواصل “ما الذي فهمته أخيراً؟ إنه هذا: بينما لا شيء أكثر أهمية من الاستقلال والحرية، اللا شيء أيضاً أكثر أهمية من الاستقلال والحرية!”(ص. 430)

هل يحررنا السفر بين الثقافات، أم تراه يزيد من وحدة رحلتنا البشري؟ سؤال علق في بالي بعد قراءة الرواية. فبالرغم من كل المكاسب التي اكتسبها المتعاطف، إلا أن المطاف انتهى به وحيداً، وهجيناً عن الثقافتين، الرأسمالية والشيوعية، في سياقهما الفيتنامي بالتأكيد.

وهنا أكبر مفارقة، فبينما نعيش في عالم يمجد العولمة والانفتاح على الآخر وتعدد الثقافات، إلا أن فعل التعاطف المطلق مع الآخر، والتماهي مع أفكاره وثقافته، لا يزال يعتبر خيانة من قبل الطرف المقابل، وكأننا ننادي “بانفتاح مقنن”، وهو ما يصير السخرية والضحك في الآن ذات، فكيف يمكن تقنين الانفتاح؟ وحين تقنينه، ألا يفقد معناه ومهيته، ويتحول إلى أي شيء آخر عدى الانفتاح؟

الحكمة من الكتاب:

يجد العديد من البشر راحتهم في الميل إلى فكرة أو توجه ما، وربّما يدافعون عليها بأرواحهم إن تطلب الأمر ذلك، ولكن وبين هؤلاء العديدون المتعددون، توجد فئة استثنائية، يمكن تسميتها بالفئة “المتعاطفة” تيمناً بفاييت ثانه نغويين كاتب رواية «المتعاطف». هذه الفئة محتومة جينياً، كحال البطل الفيتنامي الفرنسي، أو ثقافياً، كحال المهاجرين والمنفيين، بأن تنتمي لأكثر من فكرة وتوجه.

وبينما تعاني هذه الفئة الاستثنائية من الوحدة، وسوء الفهم غالباً، إلا أنها أقرب دائماً إلى إنسان الوعي الأقصى، وهو ما عبر عنه محمود درويش بشاعرية في قصيدته «طباق: إلى إدوارد سعيد»: ” ففي السفر الحر بين الثقافات قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ مقاعدَ كافيةً للجميع”. وتبعاً، فإن الحكمة من الكتاب هي في خوض هذا السفر، والسعي إلى الانغماس في الآخر وأفكاره، وحينها فقط سنصير جميعاً “متعاطفين”.

اقتباسات من الكتاب:

“لا أحد هنا يسأل الفقراء إن كانوا يريدون الحرب. وما من أحد أيضاً يسأل هؤلاء إن كانوا يفضلون الموت من العطش والعيش في العراء على ساحل البحر، أو أن يسرقوا وتنتهك أعراضهم.” (ص. 10)

“يميل مثقفو بلادنا لأن يكونوا شاحبين، حاسري النظر، ومعاقين.” (ص. 13)

“التناسق بعبع تخاف منه العقول الصغيرة.” (ص. 21)

“لقد آمنا بأن نضحي بأنفسنا إذا تطلب الأمر من أجل الصداقة والوطن، لكننا لم نعرف كيف نلبي حاجة البلاد، ولم نعرف أي مصير ينتظرنا.” (ص. 49)

“مجتمعنا كله منظومة لصوص من الطراز الأول، الحكومة تبذل ما بوسعها لابتزاز الأمريكان، والمواطن العادي يبذل ما بوسعه لسرقة الحكومة، والفاسدون منا يبذلون ما بوسعهم لسرقة غيرهم.” (ص. 111)

“نسبة لا بأس بهم جمعوا الثروة والعار على السواء، يتنعمون في شقق هواؤها متعفن حصلوا عليها بأجور مدعومة بينما أعضاؤهم التناسلية تتقلص يوماً بعد يوم، يستهلكها نوع من السرطان يسمى اغتصاب لقمة اليتامى ويقهرهم ويثير شكوكهم وسواس المنفى.” (ص. 114)

“كنت ابناً وزوجاً وأباً وجندياً، والآن لست أي شيء من ذلك. لست رجلاً، وحين لا يكون الرجل رجلاً، فهو نكرة. والطريقة الوحيدة لتلافي ذلك أن تكون نكرة أن تفعل شيئاً.” (ص. 122)

“المناديل التي يمسح بها الغربيون قذاراتهم أكثر نعومة من المناديل التي ينظف بها بقية الناس في العالم أنوفهم، مع أن هذه مجرد مقارنة مجازية. بقية الناس في العالم سيذهلون من فكرة الترف التي تحتم حتى استعمال الورق لتنظيف الأنف. الورق مخصص لكتابة أشياء مثل الاعتراف، وليس لمسح القذارة. لكن هؤلاء الغربيين الغرباء الأطوار، الغامضين لهم طرقهم الشاذة وعجائبهم التي يعبر عنها رمزياً بالكلينكس وورق التواليت المزدوج الطيات.” (ص. 184)

“أي مجتمع لا بد أن يعج بالمخمليين الذين يتكلمون لغتين ويقولون ويفعلون شيئاً واحداً علانية بينما يقولون ويفعلون شيئاً آخر في السر.” (ص. 186)

“دائماً أتصور أن الإنسان على الأقل كائن شاذ حتى يثبت العكس.” (ص. 194)

“أثبتنا أن العقل البشري إذا ما خضع للظروف الصحيحة، سوف ينهار بسرعة أكبر من الجسم البشري.” (ص. 205)

“الفن يمكن أن يكون شعبياً، يتوجه إلى الجماهير الواسعة، ومع ذلك يكون راقياً، يروج لمعايير جمالية خاصة فضلاً عن الارتقاء بذوق الجماهير.” (ص. 210)

“كيف تعرف أنك قدمت عملاً فنياً عظيماً في الفن؟ العمل الفني العظيم، لا بد أن يكون واقعياً مثل الواقع نفسه، وفي بعض الأحيان يكون حتى واقعياً أكثر من الواقع.” (ص. 216)

“لماذا يطلقون النار أولاً ثم يطرحون الأسئلة؟ لأن في نظرهم كل الناس ذوي البشرة الصفراء مذنبون حتى تثبت براءتهم. الأمريكان شعب موسوس ومذعور لأنهم لا يستطيعون الاعتراف بهذا التناقض. يؤمنون بعالم من العدالة الكونية المقدسة يكون فيه الجنس البشري مذنباً بالخطيئة الأولى، لكنهم أيضاً يؤمنون بعدالة علمانية ينظر فيها إلى البشر على أنهم أبرياء. لا يمكن الجمع بين الأمرين.” (ص. 228)

“لاجئون، منفيون، مهاجرون، أيا كانت تسميات البشر الذين أزيحوا عن أماكنهم، فنحن ببساطة لا نعيش ضمن ثقافتين، نحتفي بالمأدبة الأمريكية العظيمة الساخنة التي نتخيلها. الذين أزيحوا عن أماكنهم أيضاً عاشوا ضمن منطقتي توقيت مختلفتين، هنا وهناك، الحاضر والماضي، لأننا رحالة كسالى عبر الزمن. بينما قصص الخيال العلمي تتخيل مسافرين عبر الزمن ينتقلون إلى الأمام أو إلى الخلف في الزمن، هذه الآلة التي تقيس الزمن تظهر تاريخاً مختلفاً. السر مفضوح للساعة، مفضوح لجميع من يرونها، نحن ندور في حلقات فحسب.” (ص. 239)

“نحن جميعاً سينتهي بنا الأمر إلى جهنم إذا خضعنا لأفكارنا.” (ص. 245)

“الشراب الروسي من بين ثلاثة أشياء صنعها الاتحاد السوفييتي تصلح للتصدير، ولا داعي لذكر المنفيين السياسيين؛ الشيئان الآخران هما الأسلحة والروايات.” (ص. 250)

“الثورات تبدأ هكذا، برجال مستعدين للقتال مهما كانت الظروف، يتطوعون للتخلي عن أي شيء لأنهم لا يملكون شيئاً.” (ص. 262)

“كل ما يريده الإنسان أن يحترم ويتذكره أحد. والأمران مرتبطان لا يمكن فصل أحدهما على الآخر. هذه الرغبة تجعل هؤلاء الصبية الذين كانوا يعملن على الحافلات، وعمال المطاعم، والبوابين، والبساتين، والميكانيكيين، والحراس الليليين، وموصلي الطلبات، يدخرون ما يكفي من النقود لشراء بدلات عسكرية، وأحذية، وبنادق، لحاجتهم لأن يصبحوا رجالاً من جديد. يريدون أن تعود بلادهم، لكنهم أيضاً يشتاقون للاحترام والتذكر من ذلك الوطن الذي لم يعد موجوداً من زوجات وأطفال، من أجيال المستقبل، من ماضيهم حينما كانوا رجالاً. إذا ما فشلوا، يمكنك تسميتهم بالأغبياء. لكن إذا لم يفشلوا، فهم أبطال وحالمون، سواءً كانوا أحياء أم أمواتاً.” (ص. 264)

“من الحماقة العيش عندما لا يكون هناك سبب للحياة.” (ص. 264)

“كيف يمكن للمرء أن لا يوافق على ضرورة عمل شيء؟ دائماً على الإنسان أن يفعل شيئاً.” (ص. 274)

“الشيء الأكثر أهمية الذي لا يمكن أن ننساه أننا لا يمكن أن ننسى.” (ص. 283)

“ما يجعلنا بشراً أننا المخلوقات الوحيدة على هذا الكوكب التي بإمكانها أن تخدع نفسها.” (ص. 291)

“الجمال لا يحتاج للإيحاء بأن البيئة المحيطة بك أكثر جمالاً. أي شيء بمنتهى القبح يمكن أن يجعل المكان القذر يبدو أقل قبحاً من خلال المقارنة. هناك طريقة أخرى لإضافة لمسة من الجمال والمحبة إلى العالم ليس بهدف لتغييره، ولكن لتغيير نظرة الإنسان إليه.” (ص. 320)

“الحب يمكن أن يتسلل إلى شخص ما بلا مقدمات، بلا إخفاء، وفي الوقت نفسه يشعر المرء بأنه لا يحتاج لأن يقول كلمة.” (ص. 321)

“لقد وضعت القناع على وجهي مدة طويلة، وهذه فرصتي للتخلص منه بأمان. تعثرت خطواتي حتى وصلت إلى هذا غريزياً من خلال الإحساس بأنه ليس إنساناً غريباً علي. لا يمكن أ، أكون الإنسان الوحيد الذي يعتقد بأنه إذا عرف الآخرون شخصيتي الحقيقية، سوف يفهمونني، وربما يحبونني. لكن ما الذي يمكن أن يحصل إذا أزاح المرء القناع ونظر إليه الآخرون ليس بتعاطف وإنما برعب، واحتقار، وغضب؟ ماذا لو كانت الذات التي يكشفها الرء مزعجة للآخرين مثلها مثل القناع، أو حتى أسوأ؟” (ص. 323)

“هذه الحياة، والتراجيديا ثنائي لا ينفصلان أبداً. أن تعيش يعني أن تسكنك حتمية العفن، وأن تموت يعني أن تسكتك ذكرى الحياة.” (ص. 356)

“لماذا نجوع؟ صرخت معدتي. حتى في ذلك الوقت الذي كنت أدرك أن الأغنياء إذا خصصوا للجائعين صحناً من الرز فقط، سوف يكونون أقل غنى قليلاً لكنهم لن يتضوروا جوعاً. إذا كان الحل بسيطاً هكذا، لماذا الجميع جائعون؟” (ص. 382)

“إنهم يختبرون تقنياتهم جيداً، وأسلحتهم، وأفكارهم على بلادنا الصغيرة. كنا خاضعين للتجربة التي يسمونها، الحرب الباردة. يالها من نكتة، إذا نظرنا إلى حرارة الحرب التي وقعت علينا! شيء مضحك، لأننا أنا وأنت هدف هذه النكتة.” (ص. 400)

“الإنسان لا بد أن يكون كياناً غريباً على الآخرين، ولا داعي للقول إنه غريب حتى على نفسه.” (ص. 406)

“الألم ينتهي لكن معرفة الحقيقة لن تنتهي.” (ص. 423)

“ماذا يمكن أن يقوله الجلاد لبعضهما بعد انتهاء التعذيب؟” (ص. 428)

“الوهم البصري الحقيقي يكمن في رؤية الآخر ونفسي كحالة متكاملة لا تنفصل، كأنها حالة تركيز حقيقية أكثر من عدم التركيز. كنا نظن أن انعكاس صورتنا في المرآة هي حالتنا الحقيقية، كيف نرى أنفسنا وكيف يرانا الآخر غالباً ما لا يكون الشيء نفسه. وعلى نحو مماثل، غالباً ما نخدع أنفسنا حين نتصور أننا نرى أنفسنا بوضوح.” (ص. 428)

الختام:

في ختام رواية «المتعاطف» لفاييت ثانه نغويين، نجد أن رحلة الذات المعذبة وسط الانقسامات الثقافية والسياسية تكشف لنا جوانب متعددة من الهوية الإنسانية. إن التعاطف، الذي يبدو للآخرين خيانة، ينقلنا إلى مستوى أعمق من الفهم يرتبط بحالة الوعي الأقصى التي تعكس الصراعات الداخلية للإنسان. بطل الرواية، المتعاطف، يصبح رمزاً للبحث عن التوازن في عالم تملؤه التباينات، مما يدفعنا إلى التساؤل: هل يمكن للفرد أن يظل مخلصاً لنفسه بينما يتنقل بين ثقافات متعددة؟ إن الرواية لا تقدم إجابات سهلة، بل تتركنا مع تساؤلات عميقة حول الهوية والانفتاح، وتحثنا على تبني التعاطف كوسيلة لفهم الآخر، رغم ما قد ينجم عنه من وحدة أو تعقيد. في النهاية، يبقى التعاطف هو الجسر الذي يصل بين ضفتين متباينتين، هو دعوة للعيش بعمق وبوعي في عالم تتشابك فيه القصص والأقدار.

أحدث التعليقات