الصفحة الرئيسية / مراجعات / مُختارات / رواية «مسيح دارفور» لعبد العزيز بركة ساكن
عبدالعزيز بركة ساكن من مواليد مدينة كسلا بشرق السودان سنة 1963. لهُ العديد من المؤلفات كـ «ثلاثية البلاد الكبيرة» و «على هامش الأرصفة» و«إمرأة من كمبو كديس» (مجموعتين قصصية)، والعديد من الروايات كرواية «رماد الماء» و«زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة» و رواية «العاشق البدوي» ورواية شهيرة بعنوان «مُخَيَّلةْ الخَنَدَريِسْ» التي ترجمتها الدكتورة إشراقة مصطفى للغة الألمانية وقام بنشرها المركز الأفريقي الآسيوي بفيينا عام 2011 كما حصل على جائزة الطيب صالح للرواية على راويته «الجنقو مسامير» الأرض سنة 2009. عمل عبد العزيز بركة كاتباً في كثير من الدوريات والمجلات والجرائد المحلية والعربية والعالمية مثل مجلة العربي ومجلة الناقد اللندنية ومجلة نزوي.
رواية «مسيح دارفور» للكاتب عبد العزيز بركة ساكن والتي نشرتها مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة في طبعتها الأولى سنة 2012 في دارفور. الرواية تتحدث عن أزمة دارفور عبر عرض شخصيات لها دور مختلف في الأزمة بين المؤيد للسلطة المركزية ومعارض بينما يتوسط هذه الفوضى المسيح وتابعوه والنجارون الذين يقومون بصنع الصليب الذي سيصلب عليه هو ومن آمن به. باختصار الرواية تعكس محاولة للبحث عن الخلاص المتجسد في رمزية “المسيح”.
الرواية اجتماعية إقليمية، فلقد خصص الكاتب روايته للحديث عن أحداث أزمة دارفور. ولقد بدأت الحرب في إقليم دارفور عندما حملت حركات دارفورية السلاح ضد الحكومة المركزية سنة 2003 محتجة على تهميش المنطقة سياسياً واقتصادياً. ويتأزم الوضع أكثر وأكثر في ظل تعدد الخلافات والمنازعات في إقليم دارفور.
وبينما تشير العديد من المراجع أن الاختلاف القبلي بين القبائل العربية والرزقة (من أصل أفريقي) قد يكون أحد الأسباب المساهمة في الصراع، ينفي الكاتب ذلك كما روى في صيف 1988 حيث أتى لقرية شيوخ من الأعراب فوجدوا طريقهم للعيش والتعايش مع السكان الأصليين كما حدثت بينهم العديد من المصهرات والعلاقات التي جعلتهم يشعرون كأنهم روح واحدة، لذا عندما أتى بعد عشرين عاماً مسؤول حكومي محملاً بالذخائر والأسلحة ليدفعهم للدافع عن أنفسهم ضد “الزرقة” سألوه أولا: من هم الزرقة؟ “شرح لهم من هم الزرقة، ولكن الأمر التبس عليهم؛ لأن كل المواصفات التي بالزرقة متوافرة في كل فرد من أفرادهم.” (ص. 70-71)
ويتطرق الكاتب لعديد من المواضيع التي لها علاقة بهذا الإقليم بما فيها الرق. فنجد أنه يتحدث عن أحد الأبطال إبراهيم خضر إبراهيم وعن تاريخ عائلته “جدود إبراهيم خضر إبراهيم منحدرون من العبد الذي سمي بخيت، هو والد الخادم التي سميت بخيتة وعرفت فيما بعد في مجتمع العبيد والأسياد معا ببخيته (سجم الرماد).” (ص. 49)
يصعب تحديد أيديلوجية محددة لرواية «مسيح دارفور» فلقد حاول الكاتب عبر سطورها التقاط صورة للواقع دارفور من عدة وجهات نظر بما فيها وجهة نظر شيكيري توتو كوه الذي يعمل لمصلحة الحكومة المركزية التي يشير لها الكاتب في أكثر من موضع بأنها سبب البلاء والخلاف والفتنة بين القبائل.
أما بالنسبة للأيديولوجية الدينية، فمن ميزة النص ذكر الكاتب لعدة أطراف مختلفة كل طرف منها يحمل جانباً دينياً أو شرعية دينية إن صح التعبير وهذا بدوره يشير لنقد الكاتب لاستخدام الأيديولوجيات لجلب الناس وكسب قلوبهم فنجد أن حزب المعارضة الدارفوري والمشار إليه في الرواية بـ”الطورابورا من قبائل كثيرة، تجمع بينهم أنهم مستهدفون من قبل الحكومة المركزية بصورة خاصة… يقود المعسكر رجل شرس من قبيلة المساليت، يلقبونه بشارون.” ويميز هذا القائد أنه “لم يدخل معركة مع أعدائه وهم مستعدون لها مطلقًا، بل كان دائمًا ما يفاجئهم في الزمان والمكان الذي لا يتوقعونه فيه” وهنا تكمن الشرعية الدينية في قوله: “أن تلك هي عبقرية الحرب ورسول لله محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (الحرب خدعة).” (ص. 37) وفي المقابل نجد أن المسؤول الحكومي الذي حاول أن يجند القبائل العربية ضد الطورابورا يقول مخاطباً هذه القبائل بـ”أن يستهدوا بالله ويستلموا السلاح، ويأتوا بشبابهم للتدريب العسكري، ويحتفظوا بخبيرين عسكريين معهم في القرية”. (ص. 71)
لكن ربما يمكننا القول أن الأيديولوجية السائدة في الرواية هي البحث عن الخلاص أو المنقذ ويجسد هذه الفكرة عنوان الرواية ذاته «مسيح دارفور» ومنقذها من حربها ودمائها المنهمرة. وهذه الفكرة بدأ بها الكاتب روايته وأنهاها بها وكأن لسان حاله يقول بأن لا حل سوى بمنقذ كالمسيح من عمق الخلاف الدامي الدائر في دارفور.
لقد استخدم الكاتب في رواية «مسيح دارفور» تبئيراً متغايراً بينما الموقف السردي في الرواية هو من خلال وجهة نظر السارد المؤلف. الكاتب يتأرجح بين التبئير المتغاير أي في عرضه لحوادث عرضية مختلفة في القصة من خلال رؤية مؤبرون مختلفون بينما كان السرد السائد علي أغلب أحداث القصة هو سرد المؤلف وبوصفه خارج القصة فله سلطة مسيطرة وبالتحديد قدرة معرفية علي الإدراك بالحقائق التاريخية والأحداث السياسية التي تطرق لها والمتعلقة بحرب دارفور.
ولكن هذا التأرجح بين التبئير المتغاير وسرد المؤلف قد يشوش القارئ بعض الشيء لأنه يأتي على غفلة من القارئ فنجد أن الكاتب ومن دون مقدمات وفي الفقرة ذاتها يتحول من سرد المؤلف إلى تبئير متغاير من وجهة نظر أحد الشخصيات في الرواية ومثال على ذلك الفقرة التي يذكر فيها الكاتب تردد العمة خريفية في استضافت عبد الرحمن (وهي فتاة اسمها عبد الرحمن) للمكوث معها في بيتها:
“لكن مثل هؤلاء البنات المطلوقات قد يكنَّ لصات أو داعرات أو يسلكن سلوكًا يسيء إلى سمعتها الطيبة وسط الأهالي، لكن عبد الرحمن ستكون بنتًا مختلفة، ستفيدك كثيرًا وتصبح صديقتك وابنتك، إنك لم تسمعي عنها سوى كل خير وبركة.” (ص. 82)
أما من ناحية التذوق الفني للأسلوب فلقد أدى الأسلوب الغرض المراد منه والذي ساهم في إيصال القصة بصورة واقعية حية، لكن هنالك بعض العبارات السوقية والوصف المباشر الذي لا يعيب هذه الرواية فقط وإنما أصبح من المظاهر الواردة في الروايات السائدة حالياً وربما شرطاً دالاً على تفتح الكاتب وحسيته.
أما بالنسبة للحبكة فيصعب تحديد حبكة معينة لرواية وذلك لكثرة القصص وتشعبها بالإضافة للخط الأساسي الذي حاول أن يصنع منه الكاتب خطاً لسير الرواية وهو سلسلة أحداث ظهور «مسيح دارفور»، لكن ولأن الحديث عن المسيح بصورة مكثفة تجعل القارئ ينتبه إليه كمحور القصة لم يحدث في الرواية ولأن الكاتب قد اكتفى بالإشارة إليه في بداية الرواية ونهايتها كإضافة ليست بالضرورة مستساغة للقارئ يصعب الإشارة لظهور المسيح كحبكة للرواية.
وبالنسبة للأجزاء الباقية من القصة، فلقد تطرق الكاتب لأحداث كثيرة وقعت في إقليم دارفور وإن لم تكن في الإطار الزمني ذاته. ولعل الخلل في حبكة الرواية من أبرز عيوبها والذي يؤثر بدوره في تطور شخصيات الرواية.
الشخصيات عديدة في رواية «مسيح دارفور» والعديد منها شخصيات مسطحة أو ثابتة لم تتغير أو تتطور خلال الرواية ومن أبرزها: العمة خريفية وشارون، بينما الشخصيات الديناميكية أو النامية تمثل كلاً من عبد الرحمن وشيكيري وإبراهيم إلا أننا لا نشهد تطوراً ملحوظاً أو لحظة تحول في هذه الشخصيات. تسعى عبد الرحمن للانتقام ويحتار شيكيري في انتمائه للدولة أو لمعارضيها بينما يجد إبراهيم نفسه في حرب لم يختر خوضها ثم برفقة “المسيح”. وعلى الرغم من أن هذه الشخصيات قد تغيرت نوعا ما إلا أنه يصعب ربط هذا التغير بحبكة القصة التي لا تبدوا واضحة في الأساس.
إن كانت الحبكة التي نواها الكاتب هي ظهور المسيح فنجد أن إبراهيم هو الوحيد الذي تأثر بهذه الحبكة بينما إن كانت الحبكة الحرب في دارفور وعلى الرغم من أنها حبكة واسعة لم يقم الكاتب بصياغتها بصورة تتماشى مع رواية محدودة الصفحات فلو فعل لأمكن حينها القول بأن الشخصيات التي تأثرت بها هي كلاً من عبد الرحمن وشيكيري وإبراهيم.
وفي ضياع الحبكة واختلاف الأسلوب يضيع القارئ في مواضع كثيرة من الرواية على الرغم من أنها قيمة جدا بالنسبة لموضوعها الذي لا نجد العديد من الروايات التي تطرقت إليه. لفتت انتباهي الرواية وشدتها لكنها لم ترقَ لمادة أدبية أستمتع بها أو أستصيغها من الأساس. كنت أتمنى لو صاغ الكاتب أفكاره عن المسيح المنتظر بصورة متجانسة أكثر مع أحداث الرواية حتي تتجانس أحداثها ولا تبدو مفتعلة بعض الشيء. تقييمي للرواية هو بكونها “جيدة”، لكنني مع ذلك أنصح بقراءتها لأن فيها الكثير من المعلومات المثيرة المتعلقة بموضوع لا يعلم الكثير منا عنه ألا وهو حرب دارفور.
أحدث التعليقات