رواية «في غرفة العنكبوت» لمحمد عبد النبي

في عام 2016، نشرت دار العين بالقاهرة رواية «في بيت العنكبوت» التي رشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في عام 2017، وهي رواية للكاتب  والمترجم المصري محمد عبد النبي، الذي صدرت له العديد من المجموعات القصصية التي فازت أحدثها «كما يذهب السيل بقرية نائمة» بجائزة أفضل مجموعة قصصية في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015، كما حازت أول رواياته «رجوع الشيخ» على المركز الأول للأدباء الشبان في جائزة ساويرس عام 2013 ، ورشحت العديد من رواياته للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، بالإضافة إلى الروايات العديدة التي ترجمها من اللغة الإنجليزية.

يروي لنا الرواية بطلها الرئيسي هاني محفوظ الذي يُعرف بنفسه في صفحاتها الأولى متطرقاً لطفولته وتجاربه الأولى وعائلته القريبة ثم سرعان ما نكتشف أن كل هذه المشاهد المذكورة ما هي إلا لقطات استرجعها من ماضيه وهو يحاول الشفاء بالكتابة من عجزه عن النطق بعد القبض عليه كأحد المتهمين في قضية “الكوين بوت”. “ففي عام 2001 احتجز العشرات في الملهى الليلي العائم “ناريمان بوت” أو “كوين بوت” وقدموا للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة وفقاً لقانون الطوارئ المصري. وكانت التهمة “ممارسة الفجور”.” (مصر: حادثة كوين بوت، 2010) في حين يروي لنا هاني تفاصيل مختلفة بعض الشيء للحادثة ويربطها بتصفية حسابات بين عائلتين برجوازيتين في مصر، فيقول: “ربما كان الدافع الأساسي للقضية، كلها هو الانتقام من سمير بركات، أو بالأحرى الانتقام من عائلته، وتشويه سمعتها من خلال شخصه لخلاف مع عائلة أخرى كبيرة.” (ص. 154)

تتحدث الرواية على وجه التحديد عن العلاقات الخاصة بين الرجال بمختلف مسمياتها “شذوذ/مثلية” فبعد الإهداء مباشرة، يضيف الكاتب صفحة بعنوان “ما العشق؟” عن قصة شخص هام بعيداً عن أسرته من عشق صبي يبيع الفقاع، وهي قصة مقتبسة من كتاب «منطق الطير» لفريد الدين العطّار الذي عاش بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي. (ص. 7) والقصص المشابهة كثيرة في الكتب التراثية فمنها قصة شجاع بن ورقاء الأسدي الذي ذُكر في كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي الذي عاش بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي، (الأندلسي،1022،ص. 76)  والإشارة لهذه الأفعال أو الأشخاص لا تعني قبول تلك المجتمعات بهذه الأفعال وبصرف النظر عن كون هذه الميول طبيعية أو مكتسبة فهي لطالما تواجدت في المجتمعات البشرية إلا أن ما اختلف هو كيفية تعامل المجتمعات معها.

من أشهر المسلسلات الأمريكية مسلسل أصدقاء (Friends) الذي يجسد حياة مجموعة من الشباب الذين يعيشون في مدينة نيويورك. دام المسلسل عشرة مواسم كاملة منذ عام 1994 إلى عام 2004 ليحقق “ملايين المشاهدات من جميع أنحاء العالم. وقد حصل المسلسل خلال سنوات عرضه على العديد من الجوائز الهامة منها جائزة الإيمي.” (بعد غياب 12 عام .. “فريندز” يعود بموسم جديد، (2016)) ومن شاهد المسلسل سيلاحظ الإشارة السلبية للعلاقات بين الجنس الواحد في أكثر من حلقة واحدة بينما كان جميع الأبطال من السويين. إلا أن هذا التوجه السائد في الإعلام الأمريكي لم يستمر طويلاً وخاصة بعدما قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بالسماح بزواج المثليين في عموم الولايات الأمريكية في عام 2015. فنجد أن المسلسلات والأفلام أخذت تتحدث بكل أريحية وانفتاح عن العلاقات المثلية وتصورها وتعرضها كعلاقة عادية بين رجل وامرأة.

طبعاً، لم تشهد المجتمعات العربية تحولاً مماثلاً، فلا تزال العلاقات بين الجنس الواحد من الأمور التي ترفضها أغلب طبقات ومجموعات المجتمع وهو أمرٌ أشار له الراوي في عدة مواضع، أولها عندما اضطر للزواج ليثبت لوالدته أنه سوي، فيقول: “لم أكن غافلاً عن شكوكها في ميولي… وكان علي طوال الوقت أن أمثل أمامها دور عاشق النساء” (ص. 170) ثم يضيف: “بدأت أبحث حولي كالرادار عن ضحية أو ربما عن شريكة في المسرحية الهزلية التي أنوي لعب دور البطولة فيها.” (ص. 173) وبالفعل تزوج هاني بشرين ليسعد أمه وينفي شكوكها، فنجده يقول في الفصل التالي: “أديت الدور الجديد بقدر ما استطعت من إتقان، راسماً ابتسامة طيبة أواري بها بقعة خوف تتسع داخلي. كنت أستمد من حماسة أمي وشرين مزيداً من الجرأة على مزيد من التورط. وكلما أرى مقدار سعادة ماما بالخصوص يهون علي كل شيء، وأقول لنفسي ما المشكلة لو فعلت ذلك من أجلها؟” (ص. 177) وثانيها عندما اضطر المحكومون في قضية “الكوين بوت” واللذين من بينهم هاني أن يغطو وجوههم فيقول هاني: “ومن أولى الجلسات بدأنا نواري وجوهنا بأي شيء نجده في متناولنا، أكياس بلاستيك، مناديل، قطع ثياب صغيرة مثقوبة أمام العينين. كلما أتأمل الآن بعض صور القضية المنشورة في الصحف أو على الإنترنت، ونحن نواري وجوهنا هكذا أقول لنفسي ليتنا ما فعلنا، ليتنا كشفنا وجوهنا أمام الأعين والعدسات. فقد ظهرنا وكأننا كائنات غريبة بلا وجوه، لسنا بشراً مثل بقية الناس.” (ص. 307)

وبما أن هذا الموضوع لا يزال إحدى المواضيع المحرمة في مجتمعاتنا العربية، فما الذي سيدفع بالقارئ العادي أن يدفع 60 درهم إماراتي مقابل رواية لا يقبل موضوعها؟ أم أن القضية العظيمة التي يتحدث عنها الكاتب من المفترض أن تكون دافعاً كافياً لذلك؟

إن الرواية تشير بالفعل إلى قضية قد يراها الكثيرون ذات أهمية كبيرة وأن الكاتب قد تمتع بالكثير من الشجاعة والمثابرة ليتحدث عنها ويوصلها للقارئ، وبذلك فهو بطل وكاتب مبدع وربما سيتم تكريمه بعد عشرة أو عشرين سنة عندما تصبح مجتمعاتنا أكثر “تفتحاً”، إلا أن ذلك ليس بالضرورة صحيحاً. فبعيداً عن موضوع الشذوذ والمثلية، نجد أن الرواية قد تجاوزت في العديد من أجزائها الحدود الإنسانية والقوانين المعترف بها وفقاً للمنظمات الدولية. فمثلاُ، نجد أن أول علاقة لهاني كانت وهو في الثالثة عشر من عمره. ووفقاً لمنظمة اليونيسيف، يجب حماية الأطفال من “الاستغلال الجنسي والإيذاء الجنسي للأطفال” فالتقديرات تشير إلى أن “73 مليون صبي دون سن 18 عاماً قد عانوا من الاتصال الجنسي القسري أو غيره من أشكال العنف والاستغلال الجنسي الذي ينطوي على اتصال بدني.” (موقع اليونيسف) ثم زواج هاني بشرين التي لم تكن تعلم بميوله والتي واجهته بعد قضية “الكوين بوت” بقولها: “كنت بتتجوز ليه؟  كنت بتخلف ليه؟ حرام عليك يا أخي، حرام عليك!” (ص. 191) وعلاقته بعبدالعزيز الذي خطط لخطفه من ابنة عم شيرين، فينصحه صديقه أثناء الحديث عن شاب آخر قتله رفيقه كما يروي هاني: ” قال لي البرنس بجدية شديدة وهو يلمح من بعيد لحكايتي مع عبدالعزيز التي مازالت تكتب أول مشاهدها: “إن الجريمة الأسوأ من القتل، هي أن نحاول تغيير طبيعة الآخرين حتى توافق هوانا.” فهمت منه أن القتيل قد استطاع منذ نحو سنتين أن يحول حبيبه الشاب هذا من حب النساء إلى العلاقات المثلية، وأنه تعرف عليه أول مرة خطيباً لابنة شقيقته الكبيرة، لكنه استطاع أن يخطفه منها في غضون أسابيع، ربما كان الآخر فضولياً قليلاً، لكنه لم يكن يميل للرجال في نهاية الأمر. استطعت أن أرسم الخطوط العامة للحكاية من أولها لآخرها، ولم تكن حكاية جميلة… ومع هذا أصررت على استكمال الطريق لآخره مع عبد العزيز، قاتلاً أو مقتولاً لا يهم.” (ص. 219) وبذلك نجد أن الرواية تزيد من نفور عموم القراء واشمئزازهم، فهي لا تتحدث عن موضوع محرم فقط، وإنما تتعدى العديد من الحدود الإنسانية والقوانين المعترف بها وفقاً للمنظمات الدولية.

أمّا بالنسبة للمجموعة الأخرى من القراء التي ترى في مثل هذا السرد انفتاحاً على عوالم أخرى وتطرقاً لقضايا الساعة التي يجب أن نتماشى معها، فهل تغطي القضية “العظيمة” التي تطرق لها الكاتب التجاوزات الإنسانية والأخلاقية التي ذكرها؟ أم أن القضايا الكبيرة لاتزال تعمي بصيرتنا عن التجاوزات الأخلاقية والإنسانية؟  وهل ستلاقي رواية تشمل نفس التجاوزات لكن بين امرأة ورجل الانبهار والإعجاب نفسه؟ ولو كانت شخصية هاني شخصية امرأة، ألن يرى الجميع فيها دور المرأة السيئة التي تغوي جميع من حولها من رجال؟ وهل كان من الممكن أن يتعاطف معها القارئ كما تعاطف مع هاني؟ أم أننا لا نزال نعيش وفقاً لقصيدة نزار قباني التي نشرها قبل نصف قرن، والتي قال فيها:

“الحبُّ كان دائماً .. من حِصَّةِ الرجالِ ..

والجنسُ كانَ دائماً

مُخَدَّراً يُباعُ للرجالِ

خُرافَةٌ حُريّةُ النساءِ في بلادِنا

فليسَ من حُريّةٍ أخرى سِوى حُريّةُ الرجالِ” (قباني، 1968)

أترك لكم الإجابة عن هذه الأسئلة.

المراجع:

مصر: حادثة كوين بوت (2010) بي بي سي عربية

ابن حزم الأندلسي (1022) طوق الحمامة، بيروت: دار مكتبة الحياة

بعد غياب 12 عام .. “فريندز” يعود بموسم جديد (2016) المجهر نيوز

موقع اليونيسف

نزار قباني (1968) يوميات امرأة لا مبالية، بيروت: منشورات نزار قباني

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/04/100423_gn_unsaid_egypt.shtml

http://www.almejharnews.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/262006:%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8-12-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%86%D8%AF%D8%B2-%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%85-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-.html

 

التقييم:

 

 

الشارقة، الـ12 ظهراً

4 يوليو 2017

أحدث التعليقات