رواية «موت صغير» لمحمد حسن علوان

الثلاثاء الموافق 25 من أبريل 2017 الساعة التاسعة مساءً، ها أنا ذا أحضر حفل الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية. يملئني التوتر، لكن تغلبه الثقة بأن رواية «موت صغير» للكاتب السعودي محمد حسن علوان هي التي ستنال تاج البوكر لهذه السنة. فبعد قراءة مجموعة متنوعة من الروايات العربية والعالمية يبدأ الناقد والقارئ – بصورة عامة– بتطوير ذوق فني يُمكِنُه من فرز الخبيث عن الطيب من الروايات، وهذا الحس هو الذي جعلني أستنتج أن رواية «موت صغير» هي رواية فريدة من نوعها ومميزة وفقاً لكل المعايير الأدبية والإبداعية. لذا، وبينما كانت الأستاذة سحر خليفة، رئيسة لجنة التحكيم، تحمل الرواية الفائزة محجوبة بقطعة قماش بين يديها وتسأل الجمهور عن توقعاتهم عن الرواية الفائزة، لم أتردد في ذكر اسم الرواية بأعلى صوتي، وبالفعل كانت هي الرواية الفائزة

حتى تلك اللحظة لم أكن أشعر إلا بالامتنان والإعجاب بكاتب الرواية العظيم، الدكتور محمد حسن علوان الصحفي والروائي والمتحصل على شهادة الدكتوراه في التسويق والتجارة الدولية. ويجدر الذكر أنه قد حرر مقالة أسبوعية لمدة ست سنوات في صحيفتي الشرق والوطن السعوديتين، كما نَشرت له صحيفتا نيويورك تايمز والجارديان مقالات وقصصاً قصيرة. رُشحت روايته «القندس»، التي نَشرت طبعتها الأولى دار الساقي ببيروت عام 2011، ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في عام 2013، وحصلت نسختها الفرنسية على جائزة معهد العالم العربي في باريس كأفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية لعام 2015.

لقد أثلج صدري هذا الكاتب الشاب باهتمامه بسيرة العلامة الصوفي والشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي فاستمتعت بقراءة صفحات الرواية الـ590، لكن وعلى الرغم من ذلك، كانت مشاعري متضاربة اتجاه الرواية بعد الانتهاء من قراءتها، ولم أكن واثقة هل أحبها أم أكرهها.

كتب علوان رواية «موت صغير» بلغة سلسة إذ اعتمد أسلوباً بسيطاً وسهلاً هون على القارئ صفحات الرواية الوفيرة، وهو أمرٌ يحتسب لصالحه حيث أنه ساهم في إيصال جانب من جوانب عالم الصوفية الغريب والمثير لعموم الناس على اختلاف قدراتهم ومخزونهم الثقافي، لكن لا يخفى على من اطلع على أعمال محي الدين ابن العربي صعوبة دراسة مؤلفاته “والأسلوب الرمزي الذي يتبعه في معظم كتبه بالإضافة إلى تعقيد الموضوعات التي يناقشها وصعوبة فهمها كونها في كثير من الأحيان تخالف الواقع الملموس.”(يوسف، 2012) فبساطة الأسلوب احتسبت لصالح الكاتب ولكنها لم تحتسب لصالح ابن العربي. والسؤال هنا، لو كتب ابن العربي سيرته الذاتية، هل سيكتبها بنفس الطريقة؟ من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – أن تكون الإجابة على هذا السؤال بـالإيجاب، خاصة بعد الاطلاع على ما كتبه ابن العربي  في كتابة «الفتوح المكية» بشأن الكتابة، إذ يقول: “وما قصدت في كل ما ألفته مقصد المؤلفين ولا التأليف، وإنما كان يَرِد علي من الحق تعالى موارد تكاد تحرقني، فكنت أتشاغل عنها بتقييد ما يمكن منها (ابن العربي، 1985، ص. 38) فأين هي كتابات ابن العربي من اللغة البسيطة والمنهجية؟ وكيف يمكن أن يدون ابن العربي سيرته الذاتية بهذه البساطة؟

دفعتني هذه التساؤلات إلى إبداء ملاحظتي عن الرواية في المؤتمر الصحفي الذي تلا الإعلان عن الجائزة، فقلت: “قبل قراءة الرواية يتوقع القارئ المطلع على أعمال ابن العربي أن يتأثر أسلوب الكاتب بأسلوب ابن العربي فيما يتعلق بالتعقيد والرمزية إلا أن الرواية كتبت بلغة بسيطة وسلسلة وذلك جعلني أشعر وأنا أقرأ الرواية بأنني أقرأ محمد حسن علوان بقدر ما اقرأ ابن العربي.” إلا أنني لم أتلق أي تعليق عن تساؤلي، ولم يبين الكاتب لماذا قرر كتابة سيرة ابن العربي بهذه البساطة، وذلك زاد من ترددي بشأنها.

في اليوم الذي يليه، استضافت السيدة أسماء صديق المطوع في صالونها الثقافي الكاتب محمد حسن علوان مما منحني الفرصة للتوصل لرأي أخير بشأن الرواية، إذ سألته فقلت: “اشتهر شمس الدين التبريزي بعلاقته بجلال الدين ابن الرومي إلا أننا نكتشف في السفر العاشر، أن الوتد الرابع الذي يبحث عنه ابن العربي هو التبريزي ذاته، فهل توجد أي مراجع تثبت هذا الأمر؟” سألت سؤالي هذا بعد أن سمعت من الكاتب في أكثر من موضع أنه قام ببحث يتضمن 200 كتاب ومرجع، فطمعت أن يرشدني إلى مرجع أو كتاب يتحدث عن علاقة ابن العربي بشمس الدين التبريزي. فأجابني إجابة تضمنت ثلاث نقاط، أولها أننا نعلم أن ابن العربي التقى بجلال الدين الرومي عندما كان صغيراً برفقة أبيه، فقال جملته الشهيرة: “إني لأرى المحيط يمشي وراء البحر” لذا فقد عاشا في أزمنة متقاربة، وثانيها أن شخصية شمس الدين التبريزي قد تكون من صُنع الرومي وليست شخصية حقيقة، وثالثها أن علوان ارتأى أن يضيفه – أو بالأصح يقحمه – لسيرة ابن العربي بصفته الوتد الرابع. ثم أضاف، أن ابن العربي لم يُشر إلى الأوتاد بصفتها أشخاصاً، إنما أشار إلى الأوتاد الأربع التي تُثبت الأرض.

أدركت بعد إجابته، أنني لم أعد أصدق أي معلومة وردت في هذه الرواية عن العلّامة محي الدين ابن العربي، وهو شعورٌ بات يراودني بعد كل كتاب أقرأه عن العلّامة* فكغيره من الكتّاب الذين يستخدمون اسمه لكسب مجموعة أوسع من القراء والمهتمين نظراً لعمق وتعقيد كتابات ابن العربي وصعوبة فهمها. إن حبكة الأوتاد التي استخدمها محمد حسن علوان في روايته هي أمرٌ تطرق له ابن العربي في كتابه «الفتوحات المكية» في السفر الثالث، الباب الخامس والعشرون والمتعلق بمعرفة “وتد مخصوص ومعمر وأسرار الأقطاب المختصين بأربعة أصناف من العلوم وسر المنزل والمنازل ومن دخله من العالم” فيقول في الفقرة الثانية “اعلم – أيها الولي الحميم، أيدك الله!- أن هذا الوتد هو الخضر، صاحب موسى – عليه السلام – أطال الله عمره إلى الآن.” (ابن العربي، 1985، ص. 180) وهذه ليست الفقرة الأولى التي تتحدث عن الخضر في كتابه، وإنما ذكره في عدة مواضع أخرى من الفتوحات. إذن قد أدخل محمد حسن علوان “شمس الدين التبريزي” لسيرة محي الدين ابن العربي لأنه ارتأى ذلك أو ربما لشهرة التبريزي (خاصة بعد شهرته في رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية إليف شفق) بينما تجاهل الخضر الذي أشار إليه ابن العربي بصريح العبارة في الفتوحات نظراً للجدلية التي تحيط  بشخصيته ولا سيما أنه – وفقاً لابن العربي – مُعَمر لا يموت. إذن، ما نوع الرواية التي أنتجها محمد حسن علوان؟ هل هي حقاً رواية عن سيرة ابن العربي، أم قصة خيالية لشخصية اسمها “محي الدين ابن العربي”؟

أدع لكم الإجابة عن هذا السؤال.

______________________________________

(*) يمكن الاطلاع على مراجعة كتاب: «هكذا تكلم ابن العربي» لنصر حامد أبو زيد

المراجع:

محمد علي حاج يوسف، متناقضات زينون في ضوء رؤية ابن العربي للزمن (مجلة الإمارات الثقافية) العدد الأول، 2012

محي الدين ابن العربي: الفتوحات المكية السفر الثالث (ج.3)، تحقيق وتقديم د. عثمان يحيى، وتصدير ومراجعة: د. إبراهيم مدكور، القاهرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1985 (ص. 38 و180)

التقييم:

 

الشارقة، الـ7 مساءً

15 مايو 2017

أحدث التعليقات