رواية «مقتل بائع الكتب» لسعد محمد رحيم

سعد محمد رحيم هو كاتب عراقي، حصل على بكالوريوس الاقتصاد من كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية، وعمل مدرساً لمادة الاقتصاد في الثانويات المهنية، كما عمل في مجال الصحافة، وله العديد من المقالات في النقد الأدبي والقضايا الفكرية. حصل على جائزة كتارا للرواية العربية (فئة الروايات غير المنشورة) لعام 2016 عن روايته «ظلال جسد.. ضفاف الرغبة»، ووصلت روايته «مقتل بائع الكتب» التي نشرتها دار سطور للنشر والتوزيع في عام 2016 ببغداد للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2017.

تدور أحداث رواية «مقتل بائع الكتب» حول أحداث اغتيال اليساري الأخير متجسداً في شخصية “محمود مرزوق، بائع الكتب الهرم الذي اغتيل… في شارع الأطباء ببعقوبة ..المرزوق لم يكن شخصية مشهورة خارج مدينته، إلاّ أن سابتايتلات عدة قنوات فضائية عراقية نقلت خبر مقتله، فيما كتبت صحف العاصمة مقالات عديدة عنه.” (ص.6) ويروي لنا أحداث الرواية الصحفي ماجد البغدادي الذي تلقى هاتفاً مجهولاً من رجل مقتدر يطلبُ منه أن يكتب كتاباً عن المرزوق وهو سيتكفل “بنفقات نشره بطباعة راقية في بيروت.” ويشجعه من خلال شرح “كيف أن حياة المزوق غابة من الأسرار وعليـ[ـه] الوصول إليها. وهي في النهاية تشكِّل دراما كبيرة، فيها بعد تراجيدي.. “دراما تلخِّص تاريخاً عريضاً” (ص. 6) وبهذه الملاحظة يبدأ الكاتب بـ”رواية التاريخ المعاصر للعراق… [فـ]في تفاصيل نضال المرزوق [الموضحة في بداية الرواية] يكتشف القارئ أسباباً عديدة تفسر دوافع قتل رجل مثله بدءاً من ثقافته الواسعة.” (وكالة الأناضول، 2017)

تتكشف شخصية المرزوق عبر ما يرويه الآخرون عنه ومن “المصادر والقصاصات وغيرها، وتظهر فصول من حياته المثيرة غير المستقرة، وعلاقاته وصداقاته مع النساء والرجال، وتجربته السياسية في العراق، ومن ثم في تشيكوسلوفاكيا، وهروبه منها إلى فرنسا.” (وكالة الأناضول، 2017) وأهم من ذلك كله، جنون الفنّان الكامن فيه، والذي يدفعه لقول عبارة مثل: “أن يحدث… الحريق ويذوب جسمي مع كتبي ورسوماتي حلم الأحلام.. أن يختلط رمادي مع رماد الأوراق والتخطيطات والألوان.. اسمع، هذه وصيي… إن حصل هذا، القوا الرماد كله في نهر ديالي ونهر خريسان وانثروا بعضه على البساتين بشرط أن يصاحب ذلك الطقس بث شريط لمقامات عراقية ليوسف عمر، وعبر مكبرات الصوت.” (ص. 37)

كما تتجلى لنا الجدلية المحيطة بشخصيته وتعدد الآراء عنها وخاصة عن سبب قتله، فبعد ذكر أمنيه المرزوق بأن يموت حرقاً، يتابع الأديب والقاص هيمن قره داغي كلامه قائلاً: “لم يمت في حريق، مات غدراً، في هذا الجنون الوطني.. هو لم ينخرط بلعبة الأحزاب والسياسة، وأظن لمقتله علاقة بآرائه.. كان يجهر برأيه ضد الجميع وبسخرية مرّة.. فيما أصدقاؤه وزبائنه ينقلون تلك الآراء كأنها نكات بريئة.. ثق، هناك من يقتلون بسبب كلمة واحدة.” (ص. 37)

وبعد أن يصور لنا داغي المرزوق بأنه فنان ثائر ذا آراء سياسة مثيرة للجدل، نكتشف بتقدم أحداث الرواية أن هذه الصورة الأولية عن المرزوق ليست بالضرورة حقيقية. فالحاج منصور – أحد شخصيات الرواية – لم يكن من المعجبين بالمرزوق، فيقول محدثاً ماجد البغدادي: “أنت تبحث عن قصة لم تحصل.. تريد أن تجعل من الحبّة قبّة.. تريد أن تخلق أسطورة.. تؤلف كتابا مثيراً عن شخص لم يكن مؤثراً وليس بطلاً بأي من الأشكال.” (ص. 107) ويشاركه الرأي أحد معارف المرزوق الذي كتب في رسالة ورقية أرسلها للبغدادي: “فما أنا بصدده هو الجانب المطمور من شخصيته، ما وراء الهالة التي تلبسته، ما وراء الأسطورة التي أغدقوها عليه، ألم يتحدثوا عنه وكأنه إيمي سيزار العراق في باريس، أو ريجيس دوبريه بعقوبة في أحراش أمريكا اللاتينية، أو بيكاسو المنفي بين حواضر القارة العجوز، وهو الذي لم يشارك في تظاهرة واحدة، ولم ينشر حتى مقالة من صفحتين، ولم تكتب عن لوحاته حتى جرائد الدرجة العاشرة، وماذا يعني أن يرجع الآن إلى بعقوبة، غير إشهار إفلاس في نهايات العمر، كما جيل المهزومين، يعرض كتاباً في بلاد لم تعد تقرأ، ويرسم لوحات لن تعلق على جدار كلاريه ذي اعتبار، وسيبقى يقضي سحابة أيامه بلا طائل.” (ص. 210)

لنكتشف في نهاية الرواية أن حتى مقتل اليساري الأخير، كان عبثياً كحياته. لم يكن المرزوق هو المقصود، بل رجل آخر “فالقاتل قتل الشخص الخطأ.” (ص. 214) وبهذه المفاجأة يختم الكاتب الرواية، رواية اليساري الأخير ، محمود مرزوق، “اليساري المفضوح”. (ص. 140)

تثير الرواية العديد من التساؤلات وخاصة عن المثقفين الذين اتخذوا من الشيوعية واليسارية رداءً لهم على الرغم من العبثية التي يعيشونها ويشجعون عليها، وتتشابه إلى حد ما برواية «الطلياني» الحائزة على جائزة البوكر العربية لعام 2015 فهي أيضاً تعلن وفاة اليسارية وخلوها من أي أفكار مستدامة.

رواية ممتعة، وأسلوب شيق وبليغ من الدرجة الأولى. أنصح بقراءتها.

المراجع:

 

 

وكالة الأناضول (2017/02/21) ” “مقتل بائع الكتب”.. حاضر العراق بقالب روائي” موقع الجزيرة

 

 

أحدث التعليقات