رواية «زرايب العبيد» لنجوى بن شتوان

نجوى بن شتوان هي كاتبة وروائية ليبية. حازت على جائزة مهرجان الشارقة للإبداع العربي في مجال المسرح، وجائزة مؤسسة هاي فيستيفال لأفضل 39 كاتباً عربياً لعام 2009. وصلت روايتها «زرايب العبيد» التي نشرتها دار الساقي في عام 2016 للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2017.

تغوص رواية «زرايب العبيد» في تفاصيل حياة المرأة الأَمَة فتكشف الستار عما تعانيه وما تعيشه في خدمة العائلات الأرستقراطية، فتروي لنا الكاتبة قصة عتيقة، البطلة الرئيسية في الرواية، من منظورين: منظور عتيقة ومنظور علي ابن عمتها. تبدأ أحداث الرواية بلقاء علي بعتيقة وطلبه أن يتحدث إليها. ثم تتشعب أحداث الرواية لتسترجع مجموعة من الأحداث السابقة. أولاً، طفولة عتيقة التي عاشتها في زرايب العبيد تحت رعاية عمتها صبرية وبصحبة عيدة – الفتى الأبيض الذي تربيه عمتها – وثانياً، بالعلاقة المضطربة التي جمعت السيد محمد والأمة تعويضة، والد ووالدة عتيقة. ومن خلال قصة عشق محمد وتعويضة نكتشف “نزيف ذلك الزمان في بيئته العنصرية التي تضع الحواجز والفروقات ما بين عالم الأسياد والعبيد، وهي بيئة ترفض أي علاقة ندية بين الاثنين، حتى وإن كان الحب ما يجمع بينهم.” (إدريس المسماري عن رواية نجوى بن شتوان “زرايب العبيد”)

ووسط هذه الأحداث يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً، ألا وهو سؤال الهوية. هوية عقيقة مختلطة النسب. فإذ بها تعبر عن اضطرابها عندما رأت وجهها لأول مرة قائلة: “لأقابل… نفسي لأول مرة… كدت أخرس عندما رأيت البنت التي هي أنا، لم يحدث أن رأيتها من قبل…بسرعة بحثت عن ذلك الشيء الذي يلفت نظر الناظرين فيّ، فاستوقفني مثل جميع الذين استوقفهم وكان في عيني، لكني لمّا رأيته تركته بعجلة إلى شعري المحلزن قليلاً، عثرت على ليونة وشيئاً من لون خمري ما كانا أبداً يُعرفان لشعور الزنوج وذوي البشرة السوداء.” (ص. 35) وفي موضع آخر تقول: “طاردتني سمرتي المنبوذة من أهالي بنغازي غير السود. حتى الذين هم للسمرة أقرب من البياض حق لهم رفض سوادنا الغريب عن الساحل البحري الأبيض.” (ص. 59) تُشير هذه المقتطفات إلى اضطراب الهوية الذي يعانيه أبناء الثقافتين، وخاصة أبناء الإماء.

إن ما يجعل الرواية غنية بالتفاصيل الاجتماعية وفريدة من نوعها هو عدم تركيزها على حياة العبيد فقط، وإنما تطرقها أيضاً لحياة النساء وما يُمارس ضدهن من اضطهاد بصرف النظر عن عرقهن. فتشير الرواية في فصلها السابع إلى الممارسات المتبعة لـ”إقفال” الفتيات، وهي ممارسات تقتصر على النساء الحَرائِر. فحتى عندما وافقت الشوشانة على “إقفال” عتيقة، وجهت تهديداً طفيفاً إلى عتيقة وعمتها قائلة: “إياك أن يسمع أحد، سيعاقبني الأسياد إن سمعوا أنني أقفل الخدم.” (ص. 63) وتعكس هذه الإشارة أيضاً النظرة السائدة نحو الإماء والخادمات على أنهن وسيلة للمتعة ولا يجوز إقفالهن.

أما بالنسبة لشخصية عيدة، فتعكس نوعاً آخر من الظلم الذي تعيشه النساء والفئات المستضعفة في المجتمع. فهو ابن غير شرعي لفتاة أغراها عشيقها فسلمته نفسها، “وعندما حملت منه تخلّى عنها لتصارع الانكسار وحيدة، ولولا دفع عائلتها بالتي هي أحسن لما تزوجت وعاشت حياةً سهلة، دون أن يتناهى لمخلوق أنها حملت… وأنجبت لقيطاً رمته على باب جامع.” (ص. 94) فها “هي تعيش على نحوٍ جيد، حتى أنها عندما صارحت [زوجها] برغبتها في جلب خادم، وهي تعلم مدى غيرته من وجود رجل في بيته، رضخ لإرادتها آخر الأمر، حين أخبرته أن الخادم سيكون ولداً صغيراً لم يبلغ الحلم” (ص. 95) ليعيش عيدة خادماً في بيت والدته.

تمر الرواية على العديد من التفاصيل الأخرى المتعلقة بالمجتمع الليبي الأرستقراطي والحدود التي تعيشها المرأة في ظله على الرغم من كونها حرة وذلك يتمثل في شخصية أخت محمد الأرملة وهي أيضاً والدة علي، فاطمة، “التي لم تستطع الكشف عن وجهها لأبيها يوماً فلم تدرك الكلام معه أو مجادلته حتى وإن تعلق الأمر بوحيدها.” (ص.241)

وبذلك نجد أن الرواية تعكس صفات المجتمع الداخلي الليبي وما يحمله من آلام وآمال، وعلى الرغم من تطرق الكاتبة للكثير من الأحداث السلبية، إلا أنها قد تطرقت أيضاً للعديد من الأحداث والشخصيات الإيجابية والمتمثلة في شخصيتي محمد وعلي. فعلى الرغم من موقف أهله وزوجته، كان محمد متعلقاً بتعويضه ومتمسكاً بحبه لها، أمّا بالنسبة لعلي، فقد “اشترى تعويضة من أجل محمد الغائب” عندما باعها جده في سوق العبيد. (ص. 238) بالإضافة إلى زيارته لعتيقة بعد أن كبرت وتزوجت ليحدثها عن والدها ويعطيها عباءته قائلاً: “إنها عباءة أبيكِ. احتفظت بكل ملابسه وأشيائه بعد رحيله. (ص. 342)

في الختام، إن ما يميز هذه الرواية هو فتحها لأبواب جديدة في عالم غير مألوف كثيراً للقارئ العربي، ألا وهو عالم المجتمع المغاربي. الرواية جميلة وممتعة، وتستحق القراءة.

المراجع:

إدريس المسماري عن رواية نجوى بن شتوان “زرايب العبيد”، موقع كيكا للأدب العالمي

 

أحدث التعليقات