الصفحة الرئيسية / مراجعات / مُختارات / رواية «خمسون غراماً من الجنة» لإيمان حميدان
ساد مصطلح ما بعد الحداثة منذ الخمسينيات الميلادية، ووُجدت هذه المدرسة الفكرية لتقلب مقولات وفرضيات الحداثة تماماً. (البازغي، 2007، ص. 223و 226) فنجد أن الحداثة نادت “بشعارات خلابة مثل الحرية والمساواة والإيمان بقدرة الإنسان العقلية وعالمية الجهاز الإداري…كما آمنت إيماناً قاطعاً بالقدرة الإنسانية على فهم العالم والحياة والذات والتقدم الأخلاقي وإدراكه.”( (البازغي، 2007،ص. 225) إلا أنه على الرغم من بريق ومثالية هذه المفاهيم والشعارات، فقد اصطدمت الحداثة بالحياة الواقعية: باللحظة العابرة المعاشة وبتجربة القرن العشرين المريرة والدامية. فجاءت ما بعد الحداثة لتقلب كل هذا، فـ”ليس هنالك ثمة ثابت يحكم المتحول وليس ثمة عقل يفسر تفسيراً غير متحيز أوجه النشاط الثقافي البشري، كما لا وجود لثقافة عالية نخبوية وأخرى دونية جماهيرية. ” (البازغي، 2007، ص. 226) ووفقاً لصفات رواية ما بعد الحداثة، نجد أن رواية «خمسون غراماً من الجنة» لإيمان حميدان الصادرة ببيروت عن دار الساقي في سنة 2016 هي رواية ما بعد حداثية بامتياز.
إن شخصية صباح، المرأة العادية التي لا شيء يذكر في حياتها، تعتبر أكبر محاولة من الكاتبة لمحاربة النخبوية والنخب وهي إحدى صفات رواية ما بعد الحداثة (البازغي، 2007، ص. 226). فلم تجعل إيمان حميدان من إحدى النخب شخصية في روايتها، وعوضاً عن ذلك جعلت من امرأة عادية إحدى شخصيات روايتها. تشير مايا – إحدى شخصيات الرواية- إلى صباح بقولها: “تفتنني صباح. ليست الفتنة بمعناها المعرفي أو الإبداعي والمتربطة بأناس يقدمون أنفسهم على أنهم غير عاديين” أي نخبويين “هي تفتنني كما هي، في هذه الخلطة الإنسانية” (ص. 137) في هذه الحالة الطبيعية للإنسان دون أي مجهود أو تكلف.
كما نجد أن كمال، أحد شخصيات الرواية الرئيسية، يتطرق إلى الإقصاء والظلم الذي تعرضت له الأقليات في تركيا على يد الرئيس أتاتورك، فنجد أنه ينتقد ما فعله بقوله: “أراد أتاتورك بناء أمة لكنها قامت على حساب حريات الناس، وعلى حساب إثنيات وأقليّات كثيرة غيرت هوياتها ومصائرها بالقوة والعنف اللذين اتخذا اشكالاً عدة.” (ص. 58) ويظهر من العبارة السابقة الإشارة الواضحة لتعددية المجتمع التركي وانتقاد محاولة أتاتورك في توحيده باسم الدين أو الوطن، وهذا يتماشى مع ما اهتمت به رواية ما بعد الحداثة من الاعتراف بأشكال التعددية (البازغي، 2007، ص. 227)
ولا تكتفي الكاتبة بذلك، بل تغوص في صفات ما بعد الحداثة فنجد أن العلاقة الغرامية التي تجمع بين الشابين داني وأرنست أكبر دليل على أن هذه الرواية تتحدى العرف والتقليد، وخاصة عندما تصف علاقتهما الكاتبة بكل أريحية وحرية، فتقول: “اليوم سيكون مع [داني] أرنست أيضاً شريكه في الحب وفي العمل.” (ص. 43). إن هذا التحرر وعدم الالتزام بتقاليد المجتمع يعتبر من أبرز صفات رواية ما بعد الحداثة، إذ يحارب هذا النوع من الروايات العرف والتقليد الثقافي بكل أشكاله (البازغي، 2007، ص. 277). لكن ذلك لا يبرر أن وجود هاتين الشخصيتين في الرواية قد صدمني بعض الشيء، ودفعني للتساؤل إذا ما كان القارئ العربي مستعداً لتقبل هذه الشخصيات وهذا النوع من العلاقات؟
في الختام، إن أدب ما بعد الحداثة هو أدب هذه المرحلة التي نعيشها بكل ما يحدث فيها من انعتاق وتحرر ومواجهة مع ما هو معتاد واعتيادي، لذا نجد أن أغلب – إن لم يكن كل – الروايات التي تنشر في وقتنا الحالي هي روايات ما بعد الحداثة كرواية إيمان حميدان «خمسون غراماً من الجنة». إن شخصيات الرواية وأحداثها كلها تتصف بخصائص هذا الأدب من محاربة للنخبوية والاهتمام بالتعددية. إنها بالفعل رواية أكثر من ممتازة، تأخذ القارئ لعالم رومنسي وساحر، لذا أنصح بقراءتها.
أحدث التعليقات